حتّى ميت رومني ارتقى إلى المستوى المطلوب لكن إيفانكا تواصل تأدية لعبة الإدارة وبدأ الموضوع يخلّف انطباعاً أسوأ فأسوأ
هانا سيلينجر
علمت إيفانكا ترمب، ابنة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مساء الخميس الماضي بقرار إلغاء خطابها الافتراضي، المقرّر إلقاؤه صباح السبت في إطار حفل تخرّج طلاب جامعة ويتشيتا الحكومية في ولاية كنساس. وجاء ردّها على الموضوع في اليوم التالي من خلال تغريدةٍ حول ما يُسمّى “ثقافة الإلغاء” وحرية التعبير، قبل أن تنشر تسجيلاً لخطابها كاملاً.
وقّع 488 من الطلّاب، وأعضاء الهيئة التدريسية، والخرّيجين رسالة مفتوحة موجّهة إلى إدارة الجامعة، مطالبين فيها بإبعاد إيفانكا ترمب عن حفل التخرّج. ومع ذلك، نشرت خطابها. ولم تذكر بتاتاً في الخطاب اسم جورج فلويد، الرجل الذي أطلق مقتله شرارة احتجاجات دامت نحو أسبوعين في الولايات المتّحدة. وما ذكرته في المقابل هو جائحة فيروس كورونا، التي شبّهتها بلا أي نية ساخرة بالـ “حرب”، على الرغم من أنها كتبت ذلك في الوقت الذي تندلع فيه حرب فعليّة في الشوارع الأميركية.
ما يكشفه خطاب إيفانكا ترمب ، بالإضافة إلى ثورة غضبها المضحكة لعدم تمكّنها من إلقائه، واعتقادها المتعجرف أن عليها نشره في جميع الأحوال، هو أنّ فكرة الظلم العرقي، وطريقة تصحيحها في الولايات المتّحدة ليست فقط مسألة ثانوية في عالم ترمب؛ بل هي غائبة تماماً بكل بساطة.
أحجم الكثير من الجمهوريين عن وصف الرئيس ترمب وإدارته بالعنصرية، على الرغم من وضوح الكلام الذي تفوّه به قائدنا الأعلى. لكن عدم الاعتراف بالعنصرية في النظام، لا بل المحو المتعمّد لهذا الاعتراف فعلياً، هو نوع من أنواع العنصرية. حين كشف الأسبوع الماضي تقريرٌ حول وضع الوظائف، بعض الأنباء الجيدة بالنسبة إلى دولة تهوي اقتصادياً (مع أنّه تبيّن لاحقاً أنّ هذه الأرقام لم تكن صحيحة كلياً)، قال ترمب إنه “يوم رائع” بالنسبة لجورج فلويد، الذي توفي أخيراً بعد أن جثا شرطي على رقبته، وضغط عليها لمدة تقارب تسع دقائق، وإنّه لا شكّ “ينظر من عليائه” بسرور إلى معدلات العمالة في الولايات المتحدة. وما زاد الطين بلّة أنّ الرئيس أعاد نشر فيديو يقول فيه أحد مناصريه إن فلويد “لم يكن رجلاً جيداً”.
هل استخدم الرئيس لغة موجّهة تثبت عنصريته؟ سيقول الجمهوريون إنه لم يفعل، هو وكل من ينفّذون أوامره مثل إيفانكا. لكن المشكلة هي أنّ محو العنصرية من النقاش لا يعدو عن كونه تذكير جديد بالمشكلة التي تعاني منها الولايات المتحدة. فعدم التطرّق إلى موضوع العنصرية في خطاب موجّهٍ إلى الجيل الجديد، في حين طغت الاحتجاجات السلمية على الأخبار خلال 13 يوماً من أصل 14 يوماً مضت، لا يجعل من العنصرية مشكلة ثانوية؛ إن ذلك يوضح تماماً أهداف الأشخاص الذين لا يتحدثون عن هذا الموضوع. ومن الواضح بالتالي أنّ إيفانكا ووالدها يريدان غضّ الطرف عن العنصرية، وتجاهلها، إما لأن الموضوع لا يناسبهما، أو لأنه مضرّ لهما من الناحية السياسية، أو للسببين معاً.
لا شكّ أنّ التغيير مؤلم وشاقّ، ويتطلّب تقديم التضحية والنموّ، ولطالما بدا واضحاً أنّ آل ترمب يفتقدون أدنى قدرات التأمل الذاتي. ربّما لهذا السّبب يصعب عليهم لهذه الدرجة أن يتكلموا عن العنصرية، والمساواة في وقت يكون فيه هذا هو الموضوع الوحيد المطروح على طاولة النقاش، وحتّى عندما تنتهز أكثر الجهات غير المتوقعة الفرصة لتحمل مسؤولياتها، مثل ميت رومني بحق السماء، الذي وضع كمّامة، وسار إلى جانب متظاهري حركة ‘حياة السود مهمة‘ خلال عطلة نهاية الأسبوع، وتنضمّ إلى القضية، لأن الذهاب في الاتجاه المعاكس والتزام الصمت يعني أن يظلّ المرء على الجانب الخاطئ من التاريخ.
ألحق الرئيس ترمب الأذى بمختلف أنواع الناس خلال فترة حكمه. والقرار الذي اتّخذه هو ومن يمثّلونه بمحو مشكلة العنصرية، والتغاضي عن المناخ الحالي، يشكّل أذى أقل وضوحاً، لكنه ما زال نوعاً من الأذى. والصمت تواطؤ حتّى إن صدر عن السيدة التي تلقي خطاباً لم يطلبه منها أحد. والفجوة هائلة، وصارخة كأنها صوت بوق يصدح في آذان كل من يصغي. نسمع جميعاً ما تقولينه فعلياً يا إيفانكا. أعتقد أنّ زوجة أبيكِ، ميلانيا، أفضل من عبّر عمّا تمثّلينه عندما رددت الكلمات التالية “أنا لا يهمّني حقاً. وماذا عنكم؟”.
نقلا” عن أندبندنت عربية