كتب : جميل الصامت
سلطان ناجي اسم علق بالذاكرة لايكاد يمر دون اثر الا وذكرت معه حقبة من التاريخ تضم اهم مراحل الزمن الجميل ،عرفت فيه اليمن الفن والقبم النبيلة ..
جيلان وزمنان ارتبط به الرجل وظل اسمه يتردد على لسان ابناء منطقته والمناطق الاخرى وكل من عرفه …
بالطبع لانتحدث عن سلطان ناجي المقطري المؤرخ اليمني الشهير (ابو الدكتورة اوراس) الذي عاش ايامه في عدن بل نتحدث عن سلطان ناجي الصامت (ابو الدكتور صادق)
ترجل هذا الاخير عن عمر يناهز التسعين عاما ..
ارتبط اسمه بمسقط رأسه (الخسف) المنطقة التي اختزلت جبل صبر على الخارطة ،كمركز اشعاع فني وميناء تجاري بري يتموضع في قلب الربع الاول في جبل صبر ظل يحتفظ بقيمته تلك ردحا من الزمن بلا منافس ..
سلطان ناجي (طبيب) وحكيم عصره تتلمذ على يد طبيب ايطالي يدعى (برلو) ضمن فريق من الشباب في المستشفى الاحمدي مايسمى اليوم الجمهوري بتعز ..
الفريق كان يضم الدكتورالضراسي الاب ،والجرموزي ،وسلطان ناجي وعنتر ،واخرون جلهم تخرجوا يحملون خبرات وتاهيل لابأس به في مجالات تطبيب مختلفة دون ان يحملوا مؤهلات اكاديمية لكن الناس وسموهم بالدكاترة والاطباء والحكماء لخبراتهم فقط ،فكان الواحد منهم بدرجة مساعد طبيب ..
سلطان ناجي واحدا من مؤسسي المستشفى الاحمدي ابان النظام الملكي ،ليؤسس فيما بعد مع رفاقه مستشفى ناصر العسكري ،بعد الثورة وهو اليوم مستشفى الشهيد/عدنان الحمادي العسكري ..
حياته العملية في المستشفى برفقة الطبيب (برلو) اكسبته الكثير وزاد عليها خبرات اضافية مع الفريق الصيني ،والمصري الذي ادار مستشفى ناصر العسكري ،كل ذلك جعل منه الطبيب والحكيم المعتبر في صبر الكل يلجأ اليه والجميع يستشيره ولايقطع امرا بدونه ،مما اضطره في نهاية المطاف الى فتح بيته كأول مستشفى ريفي يشهده ريف اليمن ربما في ذلك الحين ،فاخذ يمارس التطبيب والجراحة والاسعافات الاولية -المقصود بالجراحة العمليات الصغرى – لم يجد بدا من تعليم زوجته ضرب الابر للنساء والاطفال في حين غيابه ،وممارسة اعمال القبالة خدمة لنساء المنطقة كضريبة رأى ضرورتها عليه تجاه ابناء بلده .
استطارت شهرته وزادت ثقة الناس به وقدرته على تقديم الوصفات العلاجية وفقا لخبراته التي اكتسبها ضمن فريق (برلو ) ..
كما كان يقدم العلاجات مجانا ،والتي عادة ماتكون مقدمة من مقر عمله ..
مثل الى جانب رفيقه سعيد بن سعيد ناصر ثنائي فني عرفت بهما منطقة الخسف كاهم حواضر جبل صبر على مدى عقود اربعة او يزيد تربعا فيها قمة التميز والذوق الفني الرفيع ،بدأ يتعاملا مع الآلات الموسيقية ويعانقان الالحان من خلالها بتغريدات تتفاوت مع مساحات اصواتهم عادة ،تطور الامر الى استضافة ابرز فناني المرحلة ،لتتحول الخسف الى دارا للاوبرا -ان جاز التعبير – لتعيش المنطقة الريفية ازهى ايامها مع علي الانسي،وعلي عبدالله السمة وعبده ابراهيم الصبري،والفنانة صباح عطيبة ،ويجد ابناء المنطقة متعتهم مع ايقاعات اوتار العود تعانق اعذب الالحان التي تصدح بها حناجر الفنانين الضيوف ،وتحاكيها عادة حناجر الجمهور من الحاضرين اشتياقا لتقليدها وترديد ما حلا له منها ،تقام الاماسي والفعاليات احياء للمناسبات المختلفة يتحلق حولهم انصار الفن بدون تحفظ ..
ربما ذلك دفع بالابناء لتشكيل اول فرقة فنية تشهدها صبر فيمابعد مكونة صادق سلطان وهو قائد الفرقة عازف للعود وبجانبه شقيقه الاكبر محمود سلطان يداعب بانامله اوتار الكمان ،وثالثهم محمدسيف ناصر يدغدغ باصابعه ايقاعات الطبلة ،ويلتحق بهم محمدحسن ناجي ..
لتبدأ رحلة محاكاة ام كلثوم وفريد والموجي وعبدالحليم حافظ وفيروز وغيرهم الى جانب الحان التراث اليمني باغانيه والوانه ،تاخذ الشبان الى عالم الفن والجمال في جلسات مخملية لم تغب عن الذاكرة ..
ومن الشباب الذين كانوا كفريق تشجيع للفن شكري شمسان وعبدالحكيم شمسان،ومحمدعبده سعيد،صادق احمدسعيد،قائد سيف،وعلي محمد علي ناجي واخرون ..
هذا الفريق الفني حاولت ان اعثر على صوره جماعية له لكن حالة التصحر بفعل ثقافة مابعد العصر الذهبي لليمن كانت قد سبقتني اليها للاسف الشديد ..؟!،
الا ان الطبيب سلطان ناجي قد ورث عنه الطب والفن معا اثنان من ابنائه الدكتور/ صادق ،والدكتور/مالك سلطان ،اضف اليهم المهندس محمود ،ثلاثتهم يجيدون سلفونيات العزف وفق اسسه الفنية الصحيحة ،لم تنسهم ثقافة معاداة الفن قواعد العزف كعلم ..
اليوم بعد رحيل مؤسس دار الاوبرا في ريف تعز كيف لنا ان نتصور الخسف بدون سلطان ناجي ،الانسان المجسد للانسانية وقيمها النبيلة خلال سني حياته ..
اظن الامر فيه صعوبة ،للقبول بهذا الرحيل ،لكن الاقدار تفعل ماتشاء فقد سبقه رفيقه سعيد بن سعيد والطويل عبده قاسم .
هكذا كانت (الخسف) الحاضرة الفنية والتجارية لجبل صبر تتفرد عن باقي الحواضر على الخط السبئي الممتد من عاصمة الرسولين وحتى جبل العروس بماحباها الله من الخضرة والماء والوجه الحسن ..
لن نبالغ ان قلنا بان خطها لايقل اهمية عن طريق الحرير الممتد بين الصين وقلب اسيا الى مختلف بلاد العالم القديم .
هكذا كان هذا الخط السبئي لولا تدخل معدات الشق الثقيلة واستبداله بالطريق الترابي لعصر التعاونيات ومابعدها ..
ربما يرجع مالقيته الخسف من حظوة لعوامل كثيرة ليس اقلها طيبة ودماثة اخلاق ابنائها فقد سكنها احفاد عبدالقادر الصامت ،وتعايش معهم الشجري والعديني ،ودغيش،وعيال البحر والحوشبي،وغيرهم لتمثل المدينة الفاضلة في اجل صورها واسمى معانيها كما قبلت (رجب-الافندي- قنبر- الرياشي -وغيرهم )
كما كان للخسف تاريخ فني كان لها ايضا تاريخ نضالي ،فلاننسى العقيد/سعيد عبدالله صالح احد ابطال الصاعقة المدافعين عن الجمهورية واسقاط الحصار عن صنعاء ابان حصار السبعين يوما .
وبعد اغتيال بطل الجمهورية الاولى النقيب/عبدالرقيب عبدالوهاب انضم سعيد عبدالله صالح كفدائي الى صفوف الثورة الفلسطينية وصار احد مقربي الرئيس ياسر عرفات رحمة الله تغشاهم جميعا. .
العزاء للدكتور/صادق ،والمهندس/محمود والدكتور/مالك سلطان ناجي وجميع افراد الاسرة ..