كريتر نت – DW
العالم يلتزم بالبعد في زمن كورونا ـ وبعض العشاق يشق عليهم ذلك. لكن بفضل الإنترنت يسهل الوصال في الحب ولو افتراضيا. أما في زمن ما قبل الإنترنت، فلجأ الناس للرسائل. فكيف كانت رسائل الحب التي كتبها بيتهوفن وغوته وآخرون؟
العالم يلتزم بالبعد في زمن كورونا ـ وبعض الأحباء يشق عليهم هذا الوضع. لكن بفضل الإنترنت بإمكانهم افتراضيا على الأقل الاقتراب من الآخر. أما في السابق، أي في زمن ما قبل الإنترنت، فلجأ الناس في أوقات الانفصال للرسائل.
“يا إلهي ـ هذا القرب! وهذا البعد! أي حنين إليك بالدموع”، هذا ما كتبه بيتهوفن في 1812 “لمحبوبته الأبدية” التي لم تُكشف هويتها إلى يومنا هذا. “وأي حياة على هذا الشكل بدونك. لقد قررت أن أتوه بعيدا إلى أن أطير إلى أحضانك”.
عندما يكون المرء عاشقا، فإن غالبية الناس عادة ما لا ترغب في شيء سوى لقاء المحبوب. وهذا الشعور لم يتغير مع تغيرات الزمن. لكن في الوقت الذي تتعطل فيه هذه الأيام الرومانسية، ويكتفي الواحد منا بخبر عبر واتس آب، كان الناس في الماضي يكتبون رسائل حب متوهجة.
“زيارات روحية” منتظمة
وعلى هذا النحو لم يدوِن بيتهوفن فقط موسيقى أبدية على الورق، بل كلمات تجعل قلب كل امرأة يخفق بشدة. لكن بخلاف المحبين اليوم، كان عليه الانتظار على أحر من الجمر إلى أن تنقل عربة البريد كلماته. وقد يستغرق الوقت أياما إلى أن تصل الرسالة إلى صاحبتها وكذلك يطول الوقت إلى حين مجيئ الجواب. ولدى التصور بأن محبوبته ستتلقى الخبر “ربما في يوم السبت”، كان مجبرا على البكاء، كما كتب المؤلف الموسيقي العبقري.
“زيارات روحية” كانت تُسمى رسائل الغرام في أوج القرنين الـ 18 و الـ 19، فبيتهوفن لم يُسعد سيدة واحدة بزياراته الروحية فحسب، بل كان مؤلف الموسيقى “زير” نساء، وكانت تربطه باستمرار علاقات حب بهن ولم يؤثر ذلك على الشعرية في رسائله.
رسائل غوته
وحتى يوهان فولفغانغ فون غوته كان أكثر من مرة في حياته عاشقا. فقط لشارلوته فون شتاين التي كانت أكبر منه بسبع سنوات كتب نحو 1700 رسالة ومقطعا. وفي إحداها ورد: “الكلمات الحلوة التي تدللينني بها، لا أريد أكثر من ذلك، بل حتى شفتاك ستقرأ ماذا أفرغت لي في هدوء في قريحتي”.
غوته وكذلك شارلوته كانا يعيشان في فايمار، وغالبا ما كانا يتبادلان الرسائل مرتين أو ثلاث في اليوم الواحد. لكن شارلوته كانت متزوجة، وبالتالي فإن تمجيد غوته كان طوال السنوات من طبيعة أفلاطونية.
بيد أنه طرأ بعض الفتور على العلاقة بينهما لما سافر غوته إلى إيطاليا. وبعد عودته في 1788 دخل في علاقة مع كريستيانه فولبيوس المنحدرة من وسط اجتماعي بسيط. ومن أسفاره كان يكتب دوما “لكنزه” قائلا: “رغبتي الوحيدة هي لو كنت هنا. نحن نريد فقط الحفاظ على أنفسنا في حب، وهذا هو أفضل شيء في الدنيا، وإذا ما التحمنا من جديد ونقول لبعضنا كم هو جميل أن نكون أوفياء لبعضنا البعض”.
وحتى غيرته اعترف بها أمير الشعراء: “حافظي على حبنا! لأنني غيور أحيانا في أفكاري وأتصور أن شخصا آخر سيعجبك…”. وكريستيانه فولبيوس كانت تحب غوته وترد عليه في شغف: “اليوم في الصباح الباكر كانت فكرتي الأولى هي أنني سأحصل على رسالة منك، لكن أملي طال بدون نتيجة. وفي المساء تكون فكرتي الأخيرة في اتجاهك وهي الأولى في الصباح. اليوم يصعب علي الوضع وأتخيل أنني لن أتحمل طويلا بدونك”.
الانفصال بسبب المصير
وهناك روايات أيضا عن رسائل الفيلسوف الفرنسي فولتير الذي عشق ابنة أخته ماري لويز دنيس. وفي 1745 كتب إليها من القصر الملكي في فيرساي: “أنا جد حزين لكوني غير قادر على العيش معك في هدوء وسلام في أي مكان بعيدا عن الملوك ورجال الحاشية… لكن يا له من مصير البقاء منفصلين عن بعضنا البعض! والتطلع إلى بعضنا البعض دون التلاقي!”
ثمة عاشقان شهيران من القرن العشرين هما ويني ونيلسون مانديلا اللذان ناضلا ضد نظام التمييز العنصري في بلدهما. ومن السجن كتب نيلسون في 1969 لزوجته: “حبيبتي، إحدى الملكيات الثمينة التي أتوفر عليها هنا هي الرسالة الأولى التي كتبتيها لي في الـ 20 ديسمبر 1962 بعد إدانتي الأولى. وخلال السنوات الست ونصف الماضية قرأتها باستمرار والمشاعر المعبر عنها فيها جميلة ونقية مثل اليوم الذي حصلت فيه عليها”.
وبعد سنوات طويلة كان هذا الحب محكوما عليه بالفشل، لكن في زمن الانفصال الإجباري قربت الرسائل المتبادلة بين العاشقين أكثر. وهذا قد يسري اليوم ربما على العُشاق في زمن أزمة كورونا إلى حين أن يرتموا في الأحضان.