كتب: قادري أحمد حيدر
تنويه: كتبت هذه المادة بعد ثلاثة أيام على توقيع ما أًسمي أتفاق الرياض
بين الشرعية، والمجلس الانتقالي ولذلك أعيد نشره كما هو بالنص ليتم المقارنة بين كتب، وما يجري على الأرض اليوم،وهو أن الاتفاق غير قابل للتنفيذ،فقط، وفقط لإستدامة الحرب،وهو المطلوب .
بدون اهداء :
إن”الانتماء للأوطان/اليمن هو جذر السؤال الغائب، ولذلك لا أقرأ في اتفاق الرياض ما يدل على الإنتماء للوطن، ومصالحه العليا، شمالا، وجنوبا، فقط حرص شديد على المصالح الخاصة، والشخصية تحديدا.
يذكرني اتفاق الرياض 2019م باتفاق جدة مارس 1970م، الذي أعلن تحت مسمى “المصالحة” مع الملكيين والسعودية وبإرادة سعودية، بعد أن تم الانقلاب على جمهورية 26 سبتمبر الأولى:62م-1967م، تبعها تصفية الجيش الوطني من رجاله الجمهوريين الحقيقيين، واغتيال أبطال الحصار في شوارع صنعاء تمهيداً لما أسمي حينها بـــِ”المصالحة” التي ما نزال نتجرع آثارها السلبية في كل ما جرى، وما يزال يجري في البلاد- بهذه الصورة أو تلك – وهي “المصالحة” التي فتحت أبواب البلاد لهيمنة السعودية على القرار السياسي الوطني اليمني. وعلى إثر ذلك جرى استقبال العائدين الملكيين كفاتحين، في الوقت الذي جرى قتل واغتيال رموز وأبطال السبعين يوماً، وأودع من تبقى منهم السجون، وتشريد الآلاف منهم. إنها “المصالحة” التي انتزع على أساسها القرار السياسي الوطني من أيدي اليمنيين، وتقلصت السيادة الوطنية لصالح التبعية للخارج (اللجنة الخاصة السعودية)، ووصلنا إلى أن يدير البلد الملحق العسكري السعودي (صالح الهديان)، من مكتبه الخاص القابع في القيادة العامة للقوات المسلحة. وطيلة سنوات ما بعد “المصالحة” وضعت البلاد فعليا تحت ما يشبه حالة الوصاية، إلى حد صار فيها تعيين المدير العام، وليس الوزير أو رئيس الوزراء، يتحدد عبر المشيئة الخارجية، ووضعت البلاد تحت قبضة أَمنية، فكان أول مبادرات السعودية في مساعدة اليمنيين هو بناءها لمقر “الأمن الوطني” كسجن بمواصفات أمنية حديثة، وأشكال تعذيب متطورة في مقابل بناء دولة الكويت للمدارس والمستشفيات وجامعة صنعاء، رافقها توتير الأجواء بين الشطرين. وكانت ثمرة كل ذلك حربي 73/1979م .
لقد نقل اتفاق الرياض 2019م اليمن المعاصر إلى مرحلة الوصاية الكاملة على اليمن، يستثنى منها فقط المناطق الواقعة تحت قبضة “أنصار الله” من بعد انقلابهم على العملية السياسية السلمية في 21 سبتمبر 2014م. وتتميز جغرافية هذه المناطق بالكثافة السكانية العالية، وهي ترزح اليوم تحت الحصار الشامل من الشرعية، والجماعة الحوثية، ومن يقف خلفهما في الخارج. لقد قدمت السعودية إلى اليمن بدعوة من الشرعية التي استقدمت معها الإمارات تحت عنوان استعادة الشرعية، وهي الاستعادة التي لم تتم ولم ولن تنجز، بعد أن هيمنت الإمارات على المناطق الجنوبية “المحررة”، وحولتها إلى مناطق مستعمرة/ محتلة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بعد أن دبرت عمليات اغتيال ممنهجة ومنظمة لرموز الشرعية، بدأت باغتيال المحافظ اللواء جعفر محمد سعد، عن طريق أعوانهم وفي وضح النهار رغم الحراسة المسمى “مشددة”.
ومازالت القضية مسجلة ضد مجهول. وبعدها جرى حصار رموز الشرعية من عسكريين وأمنيين ومدنيين، ونخب سياسية ووزراء، وغيرهم، وصلت إلى اغتيال شباب رموز الثورة السلمية في الشوارع، ومنع الصلاة عليهم، أو قبرهم في مقابر المسلمين واتهام شباب الثورة السلمية بالإلحاد ، والكفر .. وكان نموذج ذلك الشاب أمجد عبدالرحمن، ومحمد الطويل وغيرهما من قبل الجهاز السلفي التكفيري الملحق بالإمارات، إلى اغتيال كبار ضباط الأمن والبحث الجنائي والقضاة، وحتى اغتيال رجال الدين المحسوبين على “تجمع الاصلاح”، و ضمن صراع سلفي/ أخواني. كما جرى حصار شباب المجتمع المدني، حتى رفض عودة الرئيس الشرعي وحكومته إلى المناطق المسمى “محررة”! .
وكانت البداية حرب 13 يناير 2018م –توقيت سيء وقد يكون مقصود- بعد أن هيمنت وسيطرة الإمارات على المطارات والموانئ، والمواقع النفطية والغازية في البلاد، ومنعت أي بداية جدية في تنمية اقتصاد الدولة في المناطق المسمى “محررة”!! وحتى ضرب الطيران الإماراتي للجيش الوطني والتي بدأت من فترة مبكرة، ضرب (منطقة العبر التي قتل فيها العميد الأبارة وآخرين) إلى ضرب الطيران الإماراتي للجيش الوطني وقتل وجرح أكثر من ثلاثمائة ضابط وجندي، إلى منع استكمال التحرير للمناطق الشمالية، بطريقتين: الأولى، ضرب مواقع الجيش الهامة في المواقع المتقدمة عسكرياً، والثانية، حصار هذه القوى العسكرية بالمال والسلاح والعتاد الذي كان يمكن أن يسهل مهماتها العسكرية في المناطق المختلفة، بل وتشكيل أجهزة أمنية سلفية، ونخب عسكرية قبلية مناطقية، وغيرها، في مناطق الجنوب والشمال المختلفة (تعز) لمواجهة حزب الاصلاح، ولتعويق حركة مد تحرير المناطق الواقعة في شمال البلاد. يكفي أن “تبَّه نهم” لها أكثر ثلاث سنوات وهي في مواقعها: “محلك سر”.
ولا يمكننا أن نفهم اتفاق الرياض الذي بقي مؤجلاً لزمن طويل دون فهم واستيعاب هذه الخلفية السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية. هذا من حيث المبدأ. فالاتفاق هو ثمرة سياسية وعسكرية لكل ذلك، ونتيجة موضوعية وسياسية لكل ما كان يجري في البلاد منذ 2016م/2017م.
لقد تم خلال هذه السنوات تجريد الشرعية من كل مصادر قوتها، وإضعافها، وتآكلها باسم استعادتها، حتى لم يبق منها سوى الهيكل العظمى المسمى مجازاً شرعية، بعد أن أكل اللحم، وامتص الدم منها ديناصورات الشرعية والتحالف وأعوانهم في الداخل الذين يسيطرون عليها. والسبب أننا وجدنا أنفسنا منذ البداية أمام شرعية ضعيفة فاقدة، لكاريزما القيادة، ولسلطة اتخاذ القرار، ودون مستوى التحديات الوطنية والتاريخية التي أُلقيت على عاتقها. يكفي القول إن هذه الشرعية لم تقل كلمة سياسية حقيقية ولم تحدد موقفاً وطنياً تجاه كل هذا الدمار والخراب الذي يطال الوطن اليمني من أقصاه إلى أقصاه، من المهرة وسيئون، إلى تعز المحاصرة، ونهم وصرواح (مأرب)، إلى الساحل الغربي إلى الآلاف من اليمنيين شباباً وأطفالاً الذين يقتلون على الحدود السعودية بعد تجييشهم لصالح السعودية، تحت دواعي الفقر والحاجة، ودون حتى معرفة أسرهم، دفاعاً عن الحدود السعودية، والذين كانوا ضحية المعركة الأخيرة بين الحوثيين والسعودية والتي اشتغل عليها الحوثيون باعتبار ذلك نصرهم المجيد والعظيم على السعودية ، تحت اسم “نصر من الله”.
إن اتفاق الرياض هو النتيجة السياسية والعسكرية لكل ما يجري في البلاد منذ 2017م بعد أن وقعت البلاد تحت حالة الانتداب والوصاية غير المعلنة ، وجاء اتفاق الرياض ليضفي الصفة الشرعية الرسمية على الوصاية، ولم يتبق سوى حضور الأمم المتحدة لينتزع منها قرار أممي بذلك.
هل سمعتم كلمة سياسية من الرئاسة أو الحكومة المسماة شرعية حول الجيش أو القوات العسكرية التي تتبع طارق عفاش، وكيف، ومن شكلها؟ ومن يمولها؟ وتخدم مصالح من سياسياً وعسكرياً؟ ولماذا هي لا تتبع الجيش المسمى زوراً وطنياً؟ وترفض الاعتراف بالشرعية التي يعترف بها المجتمع الدولي على خطاياها.
وللتذكير، انتزعت اتفاقية جدة مارس 1970م القرار السياسي الوطني من أيدي اليمنيين بعد أن وضعت البلاد تحت ما يشبه حالة من الوصاية ، لدرجة أن تعيين الوزير أو رئيس الوزراء صار أمراً بيد الخارج السعودي، والذي وصل حد طلبهم بتغيير رئيس الوزراء محسن العيني، ليأتي عوضاً عنه وبالاسم السلفي الديني القاضي عبدالله الحجري المرتبط بالسعودية، وكان رجلها الخاص في اليمن، وهي قمة المهزلة.
أما اتفاق الرياض 2019م فقد تجاوز سياسياً وعملياً كل ذلك ، ووضع البلاد علناً ورسمياً تحت الانتداب والوصاية السياسية والعسكرية الكاملة التي تجاوزت قوانين الحالة الاستعمارية بعد الحرب العالمية الأولى، ودون معرفة الشعب ومصارحته بكل ذلك، مع أن هناك أصواتاً سياسية وطنية مقدرة ومحترمة ومعتبرة من المحيطين بالرئيس الشرعي رفعوا أصواتهم احتجاجاً واعتراضاً على كل ما سبق اتفاق الرياض 2019م، وعلى شكل ومضمون اعلان ذلك الاتفاق الذي أؤكد لكم مسبقاً أنه لن يولد، ولن يرى النور إلا لأشهر معدودات، لأننا أمام عملية قيصرية يستحيل معها الولادة الطبيعية القابلة للحياة .
كانت الوصاية القديمة أن الوكلاء المحليين: مشايخ القبائل والعكفة، والقوى السياسية الاجتماعية التقليدية هي التي قبلت بعد اتفاق جدة مارس 1970م بالوصاية السعودية ، عبر اللجنة الخاصة السعودية (مصدر المال لهم جميعاً). على أننا اليوم أمام شكل جديد متطور ومختلف من الوصاية .. وصاية، موزعة بين السعودية، والامارات، وايران التي صارت تهيمن على أربع عواصم عربية كما أعلنها واحد من كبار المسؤولين السياسيين لهم. ومع ذلك نشهد اليوم انتفاضات الشعب العراقي، واللبناني رفضاً واحتجاجاً على محاولة الهيمنة الإيرانية على قرارهم السياسي الوطني تحت الدعاوى المختلفة فالشعب العراقي، والشعب اللبناني بمختلف طوائفه ومذاهبه ومناطقه وجهاته يعلنون أن الأوطان ومصالح الشعوب مقدمة على المذاهب والطوائف.
إن اتفاق الرياض 2019م هو محاولة للسير على ذات النهج القديم لاتفاق جدة 1970م ولكن في شروط مرحلة وتاريخ وعصر مغاير، عصر المعلوماتية وثورة الاتصالات ، والانتفاضات، ونهوض إرادة الشعوب .. فلا يغرنكم حالة الصمت والسكوت البادية على سطح الكلام، وكمون الشارع، فتحت الرماد وميض نار.
إن اتفاق الرياض 2019م جاء بعد حديث متكرر لدويلة الإمارات أنها ستنسحب من مناطق توجداها، مع أن الوقائع الفعلية تقول إنها تعزز وجودها أكثر فأكثر ليس عبر أعوانها ولكن من خلال الاتفاق الذي حضرت مراسيم توقيعه وباركته وأظهرها كدولة راعية للاتفاق، في الوقت الذي هي تعزز سيطرتها العسكرية في محافظة سقطرى، وما يزال العديد من عتادها العسكري موجوداً لاستخدامه حال الضرورة، وهي الدولة التي لم تستدع رسمياً من الشرعية اليمنية وصارت لها اليد الطولى في كل اليمن جنوباً وشمالاً من تعز إلى الساحل الغربي إلى سقطرى!!.
اتفاق الرياض 2019م جاء ليعطي غطاءً سياسياً لدولة احتلال شكى منها مستشارو الرئيس، ونواب رئيس وزراء، ووزراء، وأعضاء في البرلمان، وغيرهم، ومع ذلك جاء اتفاق الرياض معلنا قوة حضور الإرادة الاماراتية باستبعادهم من أي تشكيل حكومي جديد تشرف عليه وتتحكم بتفاصيله السعودية والإمارات. إلى هذا الحد بلغت الوصاية الإماراتية السعودية على البلاد اليوم وباسم “المصالحة” بين الشرعية و”الانتقالي”.
في الاتفاق حضرت الوصاية والانتداب وغابت أي أمكانية للحديث عن استعادة الشرعية المأزومة.
يبدو أن اليمنيين مع هذا الاتفاق آخر من يعلم بما يجرى تحت الطاولة، وأنا شخصياً لا أستبعد أن الامارات منسقة مع إيران في هذا الاتجاه. والمطلوب أن السعودية تلحق، أو تدخل ضمن هذه اللعبة على حساب اليمن ومستقبل اليمنيين ببناء الدولة الوطنية الحديثة، عبر صفقة تدور في الكواليس بين السعودية والجماعة الحوثية وهو ما يعلنه الطرفان من أشهر.
إن اتفاق الرياض 2019م هو تقاسم أولي للنفوذ بين السعودية والامارات، بعد سيطرتهما السياسية والعسكرية والأمنية على كل البلاد وتحت مسمى اتفاق الرياض، تقاسم للنفوذ السياسي والاقتصادي ، بعد أن صار تعيين الوزراء والمحافظين والقادة العسكريين والأمنيين يتم بـــِ”التشاور” مع التحالف الذي حضر لاستعادة الدولة فإذا به يحل بديلاً عنها في واقع الممارسة.
أتفق مع من يقول إن السعودية والامارات يختلفان في أشياء عديدة حول اليمن، على أن الأكيد أنهما يتفقان على إضعاف اليمن وتفكيك الدولة اليمنية، ومنعهما معاً قيام دولة وطنية ديمقراطية حديثة.
إن المشروع السعودي الإماراتي يتحدد ويتمثل ليس في انتاج تسوية سياسية وطنية يمنية، بل في استمرارهما في إدارة الفوضى المطلوب تعميمها على كل البلاد ليتسنى لهما إبقاء اليمن (شمالاً وجنوباً) تحت الوصاية، وفي حالة من اللاسلم واللاحرب ، إلى أن يحين موعد الحل الذي يتفق مع استراتيجيتهما، وكأن الشعب اليمني سيبقى تحت الوصاية التي يحاولان فرضها على اليمن، في واقع الشرعية المأزومة، وضعف المكونات السياسية وخوار قياداتها، وتشظي قوى المجتمع المدني بين الأطراف المختلفة.
إن أولى الثمار الفضائحية السياسية لاتفاق الرياض 2019م هو الصراع الوحشي على الثمن المالي (الرشوة/ العطايا)، الذي دفع مقابل ذلك التوقيع والذي ظهر في صورة صراع بين اللواء الدكتور رشاد العليمي ، واللواء علي محسن الأحمر، حول ملايين الريالات السعودية التي يدعي كل منهما أحقيته بها وجماعته لأنهم كانوا المهندسين لذلك الاتفاق السياسي اللعين، وأن الثمن المالي للجانب الرسمي قد سلم للجنة الرسمية الحكومية. لقد خلط اتفاق الرياض الأوراق جميعها في محاولة لمحو تفاصيل الصورة القائمة للصراع في البلاد، ظهر معها التحالف السعودي والإماراتي وكأنهما لا شأن لهما بكل ما كان يجري في البلاد طيلة الأربع السنوات من حرب وخراب ودمار، سياسي واجتماعي واقتصادي طال كل البنى التحتية والاقتصادية بل والمجتمعية للبلاد، بعد أن وضعت البلاد تحت الحصار، وتحت قبضة التحالف . لقد أظهر اتفاق الرياض، السعودية وكأنها طرف وسيط بين اليمنيين المتحاربين في الجنوب، وبين الجنوب والشمال، وهذا نفسه يذكرني باتفاق ما أسمى بـــِ”المصالحة” مع الملكيين الذي أصرت فيه السعودية على انها الطرف الوسيط بين المتقاتلين اليمنيين (جمهوريين، وملكيين)، ومن أنها لم تكن طرفاً أساسياً في الحرب على الثورة الجمهورية طيلة سنوات 1962م-1970م.
واهم من يعتقد أن السعودية يهمها أمر وحدة اليمن، على عكس الإمارات التي تدعم الانفصال علناً، فكلاهما ليسا مع وحدة اليمن، ولكن لكل منهما تقديره السياسي الخاص به .. والاختلاف بينهما فقط على المرحلة والزمن والوقت المناسب لطرح مشروع التقسيم للبلاد.
إن الاتفاق ليس أكثر من محاولة عبثية لإنتاج محاصصة بين الانتقالي والشرعية، محاصصة لا علاقة لها بالقضية الجنوبية مطلوب منها تخفيف التوتر السياسي والعسكري والأمني مؤقتاً، ونقل السلطة الفعلية على الأرض إلى يد التحالف هذا أولاً، مع إبقاء الأوضاع كما هي عليه تمهيداً الحروب قادمة، وهي ثانياً، وهي خلاصة جميع الاتفاقات القديمة/ الجديدة .. اتفاقات وتفاهمات لا تعكس ولا تمثل المصالح الحقيقة لليمنيين، ولا تمثل إرادتهم .. كنا نطالب بإعادة صياغة علاقة التحالف باليمنيين (الشرعية)، فإذا باتفاق الرياض 2019م، يلغي الكيان السياسي اليمني ويجعل من التحالف بديلاً عنه باتفاق رسمي.
حتى الرواتب سيجري دفعها للمناطق المسمى تجاوزاً محررة، وليس لجميع موظفي الدولة!! نحن أمام انتصار إعلامي، وسقوط سياسي ووطني .
اتفاق الرياض هو اتفاق سياسي بين طرفي التحالف، فرض على الطرفين اليمنيين، وبما يتوافق سياسياً واقتصادياً مع مصالح الأطراف الخارجية في اقتسام مناطق النفوذ السياسي والاقتصادي، على أن تبقى السعودية في الواجهة، والامارات تدير ما اتفق عليه بينهما من الخلف، لأن الامارات لم تنسحب حقيقة من اليمن، وما تزال حاضرة عسكرياً وأمنياً ومالياً عبر أشكال عديدة معلومة للجميع.
اتفاق الرياض ليس أكثر من نقل للملف اليمني من الأمير سلطان بن عبد العزيز، رئيس اللجنة الخاصة السابق لتوزيع الهبات والعطايا والمنح، إلى يد الأمير خالد بن سلمان نائب وزير الدفاع، ولكن ضمن شروط مرحلة سياسية داخلية وإقليمية جديدة ، تدخل فيها إيران طرفاً في المعادلة السياسية اليمنية، كما هي في لبنان والعراق .
في اتفاق الرياض 2019م ترى الخارج (التحالف)، بالعين المجردة، ولا تبصر بالميكروسكوب حضور الداخل (الشرعية)، إلاَّ كرديف ملحق وتابع بالخارج، لأن الشرعية ليست هي عبدربه فقط، بل تدخل معه الأحزاب السياسية وقياداتها، تدخل معها رموز المجتمع المدني، والنخب السياسية والثقافية .. والسؤال أين قيادة الكتل البرلمانية من الاتفاق؟ حتى وزراء الحكومة الشرعية المدجنين والقادة العسكريين جميعهم مغيبين وخارج الصورة، التي ظهر فيها الأعوان الخلص للتحالف ورموز المشيخة القبلية. إن اتفاق الرياض 2019م ليس أكثر من هدنة سياسية (استراحة محارب) تمهيداً لحروب مؤجلة، نقرأ تفاصيلها في ما يجري على الأرض. لقد خرج ناصر الخنبجي بعد الاتفاق معلناً عن استمرار مشروعهم الخاص ومن أن هذا اتفاق مرحلي.
ولن أتحدث هنا عن تفاصيل عسكرية وأمنية .. إلى أين ستنقل الأسلحة ؟ وكيف ستجمع؟ وما هو دور الشرعية في كل ذلك؟
إن الاتفاقية وضعت اليمن كله تحت الوصاية السعودية رسمياً وعلنياً !!
فالسعودية هي الوصية على الحكومة، وتشكليها، بعد أن اكتسبت الوجود السياسي والعسكري بالاتفاق الذي يمثل قمة الانتهاك للسيادة الوطنية اليمنية المهدورة من جميع أطراف الخارج (السعودية والامارات وإيران)، التي تتحرك (إيران)بعقلية صانع السجاد الفارسي الصبور البصير بما يريد.
إن الاحتجاجات الشعبية والتي تقمع بوحشية في المهرة وسقطرى، لم تتوقف ضد السعودية والامارات. إن الوصاية اليوم صارت أكثر رسمية بعد الاتفاق. اتفاق لا ترى منه الشرعية، ولا اليمن ومصالحة الوطنية والتاريخية. يكفي القول إن البعد الاقتصادي المدمر في البلاد لم يذكر بكلمة واحدة والذي يطال الجغرافية اليمنية كلها شمالاً وجنوباً، ولم يتحدث الاتفاق عن القوى السياسية والجماهيرية الحراكية العديدة والمختلفة في رؤيتها للقضية الجنوبية، وفي رؤيتها للإمارات!!عن رؤية المجلس الإنتقالي، وكذا و لا كلمة عن حضرموت، ولا عن السجون السرية الإماراتية، ولم يقل الاتفاق شيئاً عن قوات الساحل الغربي ولمن تكون تبعيتها؟ ما دامت لا تتبع وزارة الدفاع لأن الجواب يعرف من عنوانه.
فماذا عمل التحالف طيلة أكثر من أربع سنوات باتجاه إعادة الإعمار، في المناطق المسمى زوراً محررة؟ ، أكثر من كونه جاء ليستكمل عملياً شروط الانتداب والوصاية أكثر فأكثر.
ويبقى السؤال: ما هو الجديد في اتفاق الرياض 2019م عن الاتفاقات السابقة التي عقدت مع الجماعة الحوثية وكان مصيرها الفشل، غير مزيد من فرض الوصاية وتوسيع دائرة التشظي والانقسام وجعل الحرب حالة مستدامة؟
إن الصورة واضحة كالشمس : شرعية تتبع السعودية، ولا يتوقف حديثها عن الإشادة بالمملكة والملك وولي عهده، وانتقالي يؤكد دعمه وإشادته بالإمارات، والحوثي الذي صار لا يخفي صلته السياسية والمذهبية بإيران في رحلاته المكوكية إليها، وفي دفاع القادة الايرانيين العلني عن الجماعة الحوثية في المحافل السياسية الإقليمية والدولية.
إن اتفاق الرياض 2019م يتحدث عن توحيد الجهود تحت قيادة التحالف (والإمارات طرف فيه) دون أي دور سياسي عسكري فعلي للشرعية، وكأن الشرعية جهة فنية مهمتها الإشراف الإداري على ما يجري في البلاد. يكفي أن الاتفاق يتحدث صراحة عن عودة رئيس الحكومة وليس كل أعضاء الحكومة ، ولا يقول الاتفاق شيئاً عن عودة رئيس الجمهورية.
إن الاتفاق لا يقول كلاماً عملياً إجرائياً واضحاً حول وضع القوات العسكرية لـــِ”الانتقالي” وطبيعة علاقتها بالجيش الوطني. فقط حديث عن نقلهما معاً إلى خارج عدن، مع الاحتفاظ للرئيس هادي، واللواء عيدروس الزبيدي بلواء حماية خاصة بهما أو لكل منهما .
كما أن هناك تفاصيل عديدة كثيرة في الاتفاق هي بمثابة ألغام مؤجل انفجارها.
صفوة القول:
نحن اليوم واقعون بين أربعة مشاريع: ثلاثة منها داخلي له امتداداته الإقليمية، والرابع إقليمي/ دولي يستمد حضوره وقوته من ضعف المشاريع الثلاث الصغار في داخلنا: مشروع الانفصال بالقوة وبدون رؤية وطنية تاريخية، بالاعتماد على الخارج، (الامارات )، ومشروع الولاية المذهبية/ السلالية، اللاتاريخي بالاستناد إلى دولة إقليمية (إيران)، ومشروع الاسلام السياسي السني (الأخواني) المعتمد على (تركيا، وقطر). وجميع هذه المشاريع تقود البلاد إلى القبول الضمني، بل والمباشر بالوصاية الإقليمية والدولية، التي يبشرنا بها اتفاق الرياض 2019م، وهي جميعاً مشاريع لا أفق سياسي وطني تاريخي لتحقيقها في الواقع. وتستمد هذا المشاريع استمرارها من العبث بالبلاد، والدوران في حلقة مجنونة من العبث بالواقع والتاريخ.
وكما قال الصديق د/ حسن مدن في صحيفة الخليج 3/11/2019م. (يتباهى الإسلام السياسي)، الشيعي بولائه لإيران، وقد قال قائلهم: (أَكْلنا وشْربنا وراتبنا وسلاحنا من إيران، هل تريدون صراحة أكثر من هذه؟ وحين دفع اردوغان بقواته نحو شمال شرق سوريا حمل معه على الدبابات نفسها ميليشيات سورية إخوانية الهوى دربت وسلحت في تركيا، ومن هناك أيضاً تأخذ أكْلها وشْربها ومرتباتها، وأتى هؤلاء ليقتلوا أبناء وطنهم السوري، أكانوا جنوداً في الجيش السوري، أو كرداً سوريين).
ولا خيار أمامنا، كقوى سياسية وطنية ديمقراطية يمنية، سوى الاصطفاف إلى جانب شعبنا بالوقوف ضد المشاريع الصغيرة، وعلى ثلاث مستويات الأول: الوقوف ضد أنظمة الفساد والاستبداد، والثاني: نقض ورفض المشاريع المذهبية والطائفية والقبلية والمناطقية والقروية تحت أي مسمى جاءت ووردت، الثالث: رفض وإدانة الارتهان للخارج (الاجندات الخارجية). حينها فقط قد نكتشف أنفسنا من جديد ومن أننا لسنا مذاهب وقبائل وطوائف، بل نحن شعب، قررنا أن يكون لنا وطن. هنا نبدأ معا العمل كبنّائين لدولة مساواة، وعدالة وكرامة ومواطنة، ونقطة على السطر.