كتب : د. ياسين سعيد نعمان
ظلت الحكومات اليمنية المتعاقبة تتشبث بالأرض لكنها كانت تقوم بتهجير الناس . أنتجت أنظمة سياسية واجتماعية طاردة كانت الحكومات فيها لا تسلم هي الأخرى من التهحير في نهاية المطاف . ظل بسببها اليمن غير مستقر ،
ثم جاء الزمن الذي قام بتهجير الحكومة والناس معاً . وهو زمن أعوج ولا بد من تقييمه بمنطق سليم .
الذين يعايرون الحكومة اليوم ويسمونها ب”المهاجرة” لا بد أن يتوقفوا قليلا أمام إشكالية المتغلب المهاجر ، واليمن ” المهاجر” الذي لم يستقر كبقية بلاد الله . لا يمكن أن نفهم هذا الوضع إلا في صلته بحقيقة أنه منذ أن انهارت الدولة اليمنية وتحولت الى ولايات تابعة ومستعمرة وأراض موطوءة بجحافل الغزو بعناوين مختلفة ، فإن السمة العامة التي حكمت البمن هي عدم الاستقرار في ظل أنظمة كانت تقوم بتهجير الناس وتهيئ منتسبيها للهجرة ، اللهم الا فترات وجيزة أخذ فيها مشروع الدولة يتبلور ولكنه سرعان ما انهار .
الزمن دائماً كفيل بإنتاج معادلاته التي لا بد أن نتعلم منها كيف نستحضر التاريخ لنقرأ الحاضر بكل ما حمله من شوائب الماضي .
الحاضر “المهاجر” هو نتاج المتغلب المهاجر المستجد بمشروع مغترب ، وكذا الماضي المستبد الذي استولد واقعاً طارداً تناوب فيه الحكام والناس الهجرة والتهجير في قوافل لم تتوقف . فالحاكم اليوم مطارد غدا ، والمطارد بالأمس حاكم .. وهكذا.
الوضع الإقصائي الحالي الناشئ عن انقلاب الحوثي على شرعية الدولة والتوافق الوطني ، هو استدعاء لهذا المهاجر الذي رفض المواطنة واسترخص قيمتها وعمل على اذلالها ، وتمسك بالسيادة ، هو مشهد عابر لا يمكن أن يستولد من شبقه الانتقامي نظاماً للاستقرار ، لكنه يعيد الوعي لليمنيين بأهمية الدولة التي تراخوا في التمسك ببنائها لعقود طويلة ، وسلموا أمرها لمقاولين ظلت الظروف تقذف بهم إلى منصة الحكم ، فكان أول ما يقمعونه هو الدولة .
جذر المشكلة اليوم ليست الحكومة “المهاجرة” ، فهي مستولدة من رحم هذا الماضي الشائك ، وإنما في الاستعداد لإصلاح تاريخي شامل في الوعي بقيمة الدولة في مستقبل اليمن ، ومعه الاعتراف بأن الشعب هو مصدر السلطة ومالكها .
ذلك هو الضامن الوحيد لوضع الهجرة والتهجير في متحف التاريخ الذي ظل يفصلنا عن الدولة .
العالم لم يعد فيه مساحة لمثل هذه الهجرات من أن نوع كان ، ولم يعد هناك من خيار سوى التفكير بتغيير حل معادلات الخلاف بقواعد لا يكون الإقصاء من بينها .
من صفحة الكاتب في فيسبوك