كريتر نت – تقرير – مكرم العزب
وأنت في جبل صبر الحاضن لمدينة تعز تشتم عبق المشاقر وأريج الرياحين تعطر الأماكن ،مع الهواء العليل الذي تتنفسه نقيا في صباح جميل ،تسمع أصوات شجية لنسوة تغنى وتدند وتلأل كأنه يأتيك من أزمنة غابرة، وترى صبايا الجبل ونسوتها يزين أنفسهن بملابس كأنهنن أتيات من عالم الأساطير،فتبهرك ألوان وجمال تلك الملابس ، التي تتوج بمجموعة من الورود والزهور او كا يُسمى “المشاقر ” والذي يضعهن الصبايا على رؤسهن ومن خلف الآذان ،مع ربطة الرأس بنوع من المقارم المخملية الجميلة.
ما يلفت نظر الزائر لجبل صبر في مديرياتها الثلاث ( مشرعة وحدنان ،المسراخ ، الموادم ) تمسك أبناء وبنات الجبل بزيهم التقليدي في زمن الموضة ، متصدية لعواصف التيارات الفكرية والأيدلوجية التي حاولت مرارا أن تبعد أبناء صبر عن أزيائهم وتقاليدهم الشعبية العريقة، بحجج سياسية تتدثر بالدين، وقد نجحت تلك التيارات نسبيا في معظم مناطق اليمن بتحويل المرأة اليمنية إلى كيس أسود متحرك ، غير مراعية للظروف البئية والمناخية،وظروف مشاركة المرأة اليمنية الرجل في أعمال الزراعة وتدبير احتياجات الأسرة.
في يوم الزي الصبري الموافق 11/7 من كل عام، للزي الصبري حكاية اعتزاز وفخر لدي أبناء صبر استمعناها ورصدناها من خلال لقاءات مع عينة من أبناء جبل صبر واشخاص أخرون يعرفون ويعشقون هذا الزي ،ففي البداية قال الدكتور أشرف النهاري مدرس في جامعة صنعاء :
تم تصميم وابتكار الزي الصبري التقليدي وغيره من الازياء الشعبية اليمنية ليناسب البيئة وطبيعة العمل الحقلي والمنزلي والستر، وكان له هذه الوظائف المهمة، بالإضافة الى أناقته وروعته وتنوعه والشكل المحافظ المناسب لظروف العمل وجميع المناسبات الاجتماعية، يعاني هذا الزي حاليا من الانقراض، بسبب التحول نحو الازياء الدخيلة على المجتمع ومنها البالطو الاسود ،وانصح أبناء صبر بأن يحافظوا على الزي الصبري الأصيل والمفيد والجميل.
كما تحدث المهندس محمد البريهي فقال :
يمثل الزي التقليدي الصبري احد المعالم الثقافية في تعز واليمن عموما نظرا لتميزه وارتباطه العميق في ذاكرة ووجدان اليمنيين اذ يمثل عبق التاريخ لمدينة شكل فيها صبر ايقونة خاصة في صنع معالمها التاريخية والثقافية باطلالته المباشرة على المدينة بما يم به المدينة من فواكه فشكل بذلك حميمية خاصة فرضت ارثها الثقافي الذي تمازج فيها حد العشق ،وطغى الزي الصبري بهندامه المتفرد ومشاقره التي تعلو ذلك الزي فتجعله عطرا زاهيا قل نظيره ،واحتضنت صبر تعز مستحوذة عليها من الناحية الجنوبية الطويلة والممتدة من المسراخ مرورا بالضباب فصبر الموادم إلى مشرعة وحدنان ممتدة إلى شرقي صبر بمحاذاة الدمنة لتفرض بذلك
ذلك الزي الصبري الجميل بفعل الجغرافيا الطويلة على كل الريف والحضر حتى ماكاد يكون طاغيا على ماعداه من الازياء الاخرى في تعز ،فراحت معظم الحواضر والارياف الاخرى تحاكيه بشغف واعجاب، واضحى حاضرا في معظم المهرحانات والمعارض التراثية المحلية والدولية يحتل مركز الصدارة بجانب الزي الصنعاني والحضرمي محتفظا ببصمته الخاصة اللافتة ماجعل الكثير من افواج السائحات الاجانب تفضل ارتدائه اثناء تجوالهافي السياحة باليمن وتقتنيه للاحتفاظ به كتذكار بعد عودتها بل وترتديه في بلدانها بعد العودة.
ننتهز هذه الفرصة لنبعث اجمل التهاني والتبريكات لمعشوقتنا صبر بيوم زيها التقليدي ، وندعو كافة المؤسسات الثقافية المعنية بالاهتمام بهذا الموروث الشعبي الجميل والارث التاريخي النابض بالاصالة والتفرد.
كما أوضحت لنا الاستاذة سوريا عقيل الردفاني ما يخص الزي الصبري فقالت :
أنا من عشاق الزي الصبري وأحبه ،ودوما بالمناسبات والأعراس يعجبني بأن ألبس الزي التقليدي الصبري؛ لما له من جمال وروعة وأتمنا أن يصبح هذا الزي الوطني لكل بنات اليمن ،ونحن بأمس الحاجة لزي شعبي يجمعنا ويوحد هويتنا ، ,فنحن نرى أن كل شعوب العالم تتمسك بتراثها وأصالتها ،وبزي موحد يجمعها ولذلك يجب أن يكون لنا زيا شعبيا موحدا مع الأخذ بالاعتبار الاختلاف في تراث المناطق ،وبما يتناسب مع اختلاف المناخ والبيئات.
وفي نفس السياق تحدث لنا الشيخ مكرم عبدالله سلطان وهو أحد وجهاء مديرية مشرعة وحدنان فقال :
عرفت المرأة الصبرية بزيها الشعبي والتراثي من قديم الزمن فقد تغنى بهذا الزي الشعراء وكتب عنه الكتاب والمثقفين على مر الزمن ،وعلى سبيل المثال لا الحصر قال الشاعر الفضول : ماحلى بنات الجبل حين يطوفن المدينه بالثياب الدمس
خدود مثل الورد
ضوء الفجر أرواها وأعطاها المشاقر حرس.
وهذا الزي نحن نعتز ونفتخر به ونعتبره تراث ورثناه عن الآباء والأجداد، ويربطنا بالماضي وبأصالتنا وعراقتنا، وعندما نحافظ عليه فإننا نسير على نهج الأباء والأجداد الذين لم يعرفوا تلك الازياء التي حاول أن بفرضها الأتراك أو الأئمة،ايام حكمهم لليمن كما اشاد الشيخ بفكرة أن يكون يوم 11/7 يوما وطنيا للزي الصبري ، يدعو كل ابناء صبر بالتمسك بأزيائنا وعاداتنا الشعبية الأصيلة .
كما أضاف الاستاذ مهيوب سيف المليكي فقال :
تراث الملابس الصبرية اعرق تراث في اليمن كلها بشهادة المستشرقين ومنهم كلوديا فيان الفرنسيه ، وأسأل ماذا لو كان هذا الزي الشعبي هو لباس المرأة اليمنية وبانتاج محلي ،فكم سيوفر للبلد من عملات صعبة ،وكم سنشغل من أيادي عاملة ،بدلا من العادات الاستهلاكية للملابس التي تأتينا من الخارج، فقد وصل سعر الفستان الواحد إلى مبالغ خياليه تصل في بعص الأزياء إلى مئات الألاف .
الشيخ محمد عبدالرحمن الصامت ،أحد وجهات مديرية الموادم قال :
الزي الصبري يضرب بتاريخه منذ القدم فهو جزء من التراث الحميري ؛حيث جبل صبر سمي بصبرنسبة إلى صبر بن حمير ،وما زالت النقوش الحميرية والأثار الموجودة بصبر تشهد بأن هذا الزي هو زي الحميرين ، ولذلك نحن متمسكين بزينا وتراثنا ولن تمحوه أي تأثيرات واردة ودخيلة علينا .