ناصر الحزيمي
عرفت الداعية الإخواني عبد المجيد الزنداني، رحمه الله، بشكل مباشر في عام 1977م تقريبا، فقد كان يحضر يوم الجمعة دروس الشيخ بديع الدين بن إحسان الله الراشدي بين المغرب والعشاء في الحرم المكي في تفسير ابن كثير بعد أن منع الشيخ من تدريس كتاب المحلى لابن حزم، وكنا قد قطعنا شوطا لا بأس به في قراءة مقدمة ابن حزم للمحلى، وكان يحضر هذه الدروس مجموعة من الإخوة من اليمن الحبيب.
كنت أظن وقتها أن الزنداني يحضر دروس الشيخ بديع للفائدة العلمية ثم اتضح أن عبد المجيد الزنداني كان يحضر دروس الشيخ لسبب آخر وهو العمل على تصيد طلاب العلم اليمنيين وضمهم لجماعة الإخوان المسلمين، وسمعت أنه يتردد على رباط اليمن ويجلس مع مريديه وأتباعه فيه، ويتباحثون فيه سياقهم الحركي الآني والمستقبلي لم نكن نسمع وقتها مصطلحات لطالما رددها شباب الإخوان المسلمين مثل مصطلح الحاكمية والإسلام الحركي وغيرها ولعل السبب هو انشغالنا بطلب العلوم الشرعية وخصوصا علوم الحديث ونظرتنا إلى الإخوان المسلمين على أنهم جماعة غير جادة في التعرف على الإسلام وعلومه، وأنهم يهتمون بالسياسة وأسرارها وأسلمة العلوم.
كنت قبل هذا اللقاء أسمع للزنداني أحيانا أشرطة لم أمل لها وقتها كثيرا، ويتناول موضوعها غالبا الإعجاز العلمي في القرآن وكان هذا الموضوع هو المبحث الأثير لدى دعاة الإخوان المسلمين وقتها خصوصا. إنها موضوعات عامة لا يوجد فيها محاذير رقابية تذكر ومعلوماتها محايدة فلا هي فقهية ولا هي عقائدية ولا هي سير ولا هي سياسية بل هي ظاهرا علمية معاصرة وتدخل ضمن الدعوة التي أطلقتها جماعات الإسلام السياسي حول أسلمة العلوم.
فعبد المجيد الزنداني صوت مبكر من هذه الأصوات وإن شطح بعد ذلك في أمور لا شأن له بها، والسبب هو البحث عن إبهار السامع وسرقة سمعه من خلال أمور أقل أحوالها أنها كذب واضح أو خطأ بين، وكما قلت استمعت له من خلال الشريط الإسلامي في بدايات ظهوره ثم أصبح مشهورا ومطلوبا مثل الواعظ عبد الحميد كشك الذي عمل على تلميع سيرة الإخوان المسلمين بشكل ممنهج، ويقال إن هذه الأمور تمت بتمويل إخواني كويتي خصوصا لدرجة أن خطب كشك ودروسه كانت تسجل بشكل احترافي متقن وترسل في نفس الوقت إلى الكويت خصوصا، ثم الخليج.
وأنا أذكر أن أحدث دروس كشك وخطبه كانت تصل إلى الرياض قادمة من الكويت غالبا متتالية.
أما عبد المجيد الزنداني الذي كان منتميا لحركة القوميين العرب في مراحله المبكرة ثم فصل من الحركة لأسباب لم أدركها بعد ثم ترك الزنداني دراسته في كلية الصيدلة في القاهرة بعد أن أمضى فيها عامين ولم يتمها بعد ذلك، فكانت دروسه مبهرة لبعض متابعيها خصوصا أنه يغطي منطقة بكر كان الكلام فيها مقتصرا على الدكتور مصطفى محمود في برنامج العلم والإيمان، وميزة عبد المجيد الزنداني أنه سعى بشتى الطرق لتحقيق وجود الإعجاز العلمي لدرجة التلفيق والتقول والكذب.
آخرها ادعاء اكتشاف علاج لمرض نقص المناعة الإيدز، وهي كذبة أطلقها الزنداني وروج لها فزاد تدفق الأموال الخليجية.
في تلك الفترة أي عام 1977م وما بعده تردد الزنداني على المدينة المنورة أيضا، وعمل على ضم مجموعة من طلاب العلم ممن كانوا يدرسون في الجامعة الإسلامية أو يدرسون على الشيخ مقبل بن هادي الوادعي إلى الإخوان المسلمين ونجح في ذلك، وتغير خطاب بعض الإخوة من اليمن في المدينة المنورة كما سبق أن لمسناه من بعض زملائنا في دروس الشيخ بديع في مكة وممن استدرجهم عبد المجيد الزنداني لصفوف الإخوان المسلمين صديق اسمه “حزام البهلول” وكان طالب علم يدرس على الشيخ مقبل الوادعي وكان نابهاً في علوم الحديث واللغة وترك كل هذا وتبع الشيخ الزنداني ثم علمت أنه قتل في المناوشات الحدودية بين اليمن الجنوبي واليمن الشمالي التي شارك فيها الإخوان المسلمين بعد فترة وجدت لحزام البهلول رسالة صغيرة في الإيمان وتكاد أن تكون وريقات ملخصة.
من الأمور التي تم الاتفاق عليها بيت تلاميذ الشيخ بديع ومريدي الزنداني هي أنه تم الاتفاق بينهم على أن يناظر الزنداني الشيخ بديع حول الحاكمية والإسلام الحركي إلا أن الزنداني انسحب قبل بداية اللقاء، بسبب أنه اشترط ألا تسجل المناظرة واكتشف بعد ذلك أن أحد تلاميذ الشيخ قد اصطحب مسجلا فقام مغضبا وفارق المكان.
نقلا عن “العربية”