كتب : نبيل فهمي
وزير الخارجية المصري السابق
فوجئ كثيرون بقبول بيني غانتس، رئيس تحالف أزرق أبيض، منصب الرئيس المؤقت للكنيست الإسرائيلي، والموافقة على الانضمام إلى حكومة الوحدة الوطنية مع بنيامين نتنياهو ممثلاً التحالف اليميني، رغم أنّ ائتلاف غانتس ومؤيديه حصل على دعم شاغلي 61 مقعداً في الكنيست بعد الانتخابات الإسرائيلية الجديدة، وتكليفه من قِبل الرئيس الإسرائيلي محاولة تشكيل الحكومة.
توجد أسبابٌ عديدة للشعور بالمفاجأة، أوّلها حصول غانتس في الانتخابات للمرة الأولى على الأغلبية المطلوبة، والثاني أنه رفض في السابق فكرة تشكيل حكومة وحدة وطنية في أي حكومة يرأسها نتنياهو، ما دام الأخير ظلّ متهماً وأمام إجراءات قضائية، وهذه الاعتبارات قائمة حتى الآن، ومع ذلك غيّر غانتس موقفه، وأصبح أمام الاثنين مهلة حتى الخميس المقبل لتشكيل الحكومة تنفيذاً لهذا الاتفاق، إلا إذا أبطلت المحكمة العليا العملية برمتها لاعتبارات قانونية.
قَبِل غانتس الدخول في هذا التحالف، وضحّى بتحالف أزرق أبيض الذي شكّله وحقق معه الأغلبية، على الرغم من أنه كان قريباً أيضاً من الحصول على دعم القائمة المشتركة من نواب الكنيست من أصل عربي، مع استمرارها خارج ائتلافه، ووافق على الدخول في الحكومة بالمجموعة المقرّبة منه فقط، وأولئك الذين يأتون معهم من اليسار والوسط، مع العلم أنّ البعض انسحب، لأنهم رفضوا دخول حكومة مع نتنياهو وتحالفه اليميني.
وحتى أولئك الذين انضموا إلى غانتس لديهم شكّ في احترام السياسي الزئبقي نتنياهو تعهداته، مثل إعطاء صلاحيات متساوية لتياري اليسار والوسط، ولا يثقون بأن يلتزم اتفاق تبادل منصب رئيس الوزراء مع غانتس في منتصف مدة الحكم، التي تُجدد خلال ثلاث سنوات، خصوصاً بعد تفكك تحالف أزرق أبيض، وأصبح للائتلاف اليميني 58 مقعداً بالكنيست، مقابل 13 لمؤيدي غانتس من إجمالي 71 مقعداً مؤيداً الحكومة المقترحة.
ومما يزيد من الشكوك أيضاً، تمسّك نتنياهو بمقعد وزير المالية ووزارة الأمن الداخلي للتجمع اليميني، ما يسمح له بالمناورة لمنع أي جهد يرمي إلى عرقلة استمراره في منصب رئيس الوزراء، ولم يشف الغليل أو القلق للمتشككين حصول غانتس على منصب وزير الدفاع ومؤيديه على مناصب وزارية مماثلة العدد الذي حصل عليه اليمين الإسرائيلي.
ويعتقدُ البعض أنّ الدافع الرئيس لموافقة غانتس على هذه الصفقة كان أزمة فيروس كورونا، وقلقه من رفض الرأي العام الإسرائيلي استمرار مماطلة السياسيين الإسرائيليين، وسعيهم لتحقيق رغباتهم الشخصية من دون وضع المصالح الوطنية أولاً، ومواجهة التحديات الفيروسية، وهو ما ألمح إليه الرئيس الإسرائيلي بالدعوة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية طارئة.
والسبب الثاني الذي يطرحه البعض لتفسير هذه المفاجأة هو رفض عديد من مؤيدي غانتس الاعتماد على القائمة المشتركة التي تجمع النواب “العرب”، ما يخفّض عدد مؤيدي غانتس إلى 55 مقعداً، وهو أقل من الأغلبية المطلوبة بالكنيست. والثالث هو أن حزب غانتس لم يفز بمقاعد إضافية في الانتخابات الأخيرة، ويخشى أن يخسر الجولة الرابعة من الانتخابات إذا أجريت.
بغض النظر عن دوافع أو حسابات غانتس، يجب على العرب والفلسطينيين تقييم الموقف بشكل دقيق، وتحديد ردود الفعل المناسبة، ومع الأسف أول ما يمكن استخلاصه هو أن الوسط السياسي للمجتمع الإسرائيلي لا يزال يرفض التعامل مع مواطني إسرائيل الفلسطينيين على قدرٍ من المساواة، حتى الذين اُنتخبوا بشكل طبيعي وفقاً للدستور الإسرائيلي وقوانينه وقواعده، وهذا ما كشفت عنه وبجلاء المواقف السياسية الإسرائيلية، الأمر الذي له انعكاساته على الفرص المنكمشة سريعاً للتوصّل إلى سلام فلسطيني إسرائيلي على أساس حلّ الدولتين، أو حتى الوصول إلى حلّ الدولة الواحدة للإسرائيليين والفلسطينيين على قدم المساواة في الحقوق والواجبات كمواطنين.
لذا، فغنيٌّ عن القول إنّ فرص العودة إلى جهود أو مفاوضات جادة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في إطار حل الدولتين في 2020 و2021 تكاد تكون منعدمة، لأن نتنياهو لا يؤيد إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة في الأساس، ولأن غانتس دعم خطة ترمب للسلام البعيدة كل البعد عن الطموحات الفلسطينية، ولن يتراجع عنها في ظل حكومة الوحدة الوطنية.
وأكثر ما يمكن توقعه في الأشهر المقبلة هو تباطؤ طفيف في إجراءات ضمّ أجزاء من الضفة الغربية، لتجنُّب إغضاب وإحراج الجانب الأميركي، مع العلم أنه من المرجّح أن يسرع نتنياهو في اتخاذ خطوات إضافية بعد ذلك، إذا شعر أن فرص إعادة انتخاب ترمب تتضاءل، ليفرض الأمر الواقع على الرئيس الأميركي القادم، وكذلك فور انتهاء الانتخابات الأميركية مباشرة في ظل رئاسته مجلس الوزراء الإسرائيلي، حتى يغلق الباب تماماً أمام أي فرصة إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة بعد تولي غانتس رئاسة الوزراء المحدد لها سبتمبر (أيلول) 2021.
وعلى الرغم من أنّ غانتس يبدو وسطياً أكثر من نتنياهو، فإنه لا يعتبر بأي حال من الأحوال من اليسار الإسرائيلي، وموقعه السياسي أقرب إلى اليمين الإسرائيلي القديم المتشدد، إنما لاعتبارات أمنية أكثر من الاعتبارات الأيديولوجية، ولن يكون من أولئك الذين يضحون بالمصالح السياسية من أجل مصالحة كاملة وشاملة وعادلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بل يرجّح مما شهدناه في الأسابيع الماضية أنه سيلجأ إلى المواءمات السياسية الحزبية والشخصية، ليجنّب نفسه الانتقادات، بعد أن يتولى رئاسة الوزراء، خصوصاً أنه لن تكون لديه الأغلبية، ولن يخاطر بتفكيك الخطوات التي أقرّها نتنياهو ويؤيدها اليمين لوضع العقبات في طريق خيار دولة إسرائيلية وأخرى فلسطينية، خصوصاً إذا أعيد انتخاب دونالد ترمب.
وأخشى أن يكون تشكيل الحكومة الإسرائيلية المشتركة الطارئة أكثر ضرراً على الفلسطينيين من تشكيل حكومة يمينية تحت رئاسة نتنياهو، باعتبار أنّ الوضع الجديد يعني أن اليمين الإسرائيلي القديم والجديد يؤيد صفقة القرن الأميركية، وبالتالي سيكون من الصعب على الرئيس الأميركي القادم، حتى لو كان ديمقراطياً، التراجع عن هذا الطرح أو تعديله بشكل جوهري، وأمام الفلسطينيين خيارات صعبة وسيئة، هي إمّا قبول صفقة القرن، وإما إطالة الوقت في تفاوض تقليدي غير مثمر تستغله إسرائيل للتعطيل ومواصلة فرض الأمر الواقع وضم الأراضي وإقامة الحواجز.
لذا، حان الوقت للجانب الفلسطيني أن يسعى لتحقيق تطلعاته الوطنية بشكل مختلف، وتغيير المنهجية والطرحيَن الفلسطيني والعربي، لكي تكون الرسالة هي أن الشعب الفلسطيني مصمم على ممارسة هُويته الوطنية في دولة مستقلة أو في غياب ذلك في دولة واحدة على قدم المساواة مع الشعب الإسرائيلي.
إذن، الخيارات المتاحة للإسرائيليين أيضاً هي بين الهُوية المستقلة للشعبين في دولتين مستقلتين، وهُوية مشتركة في دولة واحدة، وأن الأمر سيتحوّل إلى نزاع مجتمعي حول الحقوق الإنسانية، والحق والباطل داخل الدولة الواحدة، ويتطلب ذلك من الفلسطينيين والعرب التفاعل المتزايد مع عرب إسرائيل، ومع جمعيات وجماعات حقوق الإنسان الدولية والإسرائيلية. وهذا هو السبيل الوحيد في عالم غادر ومتغير لا يحترم القانون الدولي، للحفاظ على الحد الأدنى من حقوق هذه الأمة العربية الفلسطينية البطلة في نضالها ومثابرتها.
المصدر : أندبندنت