كريتر نت – العرب
جمعت إيران المتناقضات في ذكرى مقتل الجنرال قاسم سليماني أهم قائد عسكري لديها وأبومهدي المهندس رجل المهمات الخاصة في العراق ومؤسس الحشد الشعبي اللذين تمت تصفيتهما بضربة صاروخية من مسيّرة أميركية بالقرب من مطار بغداد، بالتصعيد الاستعراضي لميليشياتها في أكثر من بلد وإطلاق التهديدات برفقة دعوات التهدئة وعدم الانجرار إلى مواجهة مع الولايات المتحدة.
وفي الوقت الذي استعرضت فيه الميليشيات التابعة لها قوتها في بغداد ونفذ الحوثيون هجوما كبيرا على مطار عدن واستعرض حزب الله قوته في لبنان وفق كلمة للأمين العام للحزب حسن نصرالله، مارست إيران حذرا شديدا في التعامل مع الولايات المتحدة في فترة حاسمة من انتقال السلطة بين الرئيس دونالد ترامب الذي تعتبره طهران من ألد أعدائها، والرئيس المنتخب جو بايدن الذي تنظر إليه كرئيس يستكمل سياسات الرئيس الأسبق باراك أوباما في التعامل معها.
وشهدت بغداد وصنعاء وبيروت، بالإضافة إلى طهران وكبريات المدن الإيرانية، تجمعات كبيرة للإشادة بدور سليماني في بسط النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط من خلال قيادته فيلقَ القدس الشهير، وتوعد المشاركون الولايات المتحدة بالانتقام. لكن قادة الميليشيات العراقية، حيث العراق هو نقطة الاحتكاك الأولى الآن، تجاوبوا مع دعوات التهدئة الإيرانية ووعدوا بعدم استهداف القوات الأميركية أو توجيه الصواريخ أو قذائف الهاون نحو مبنى السفارة الأميركية في بغداد أو اجتياحها من قبل الحشود.
وسبق الاستعراض البشري في بغداد تداول سيناريوهات ومعلومات مختلفة عن طبيعة الرد الإيراني في الذكرى الأولى للعملية الأميركية الجريئة، التي أودت بحياة أهم جنرال إيراني في العقود الثلاثة الأخيرة، وأهم قائد ميداني لميليشيا الحشد الشعبي.
ومن بين هذه السيناريوهات زج عناصر الحشد الشعبي بالزي المدني في تظاهرة تحت السيطرة، يتم توجيهها لاقتحام المنطقة الخضراء وسط بغداد، بقصد دخول السفارة الأميركية وإحراقها، ليتم بعد ذلك تبرير هذا الفعل بأنه عفوي جماهيري، ولا دخل لإيران فيه.
لكن الساعات الأخيرة من يوم السبت حملت تطورات عديدة، من بينها توضيح الحكومة العراقية للإيرانيين أن الولايات المتحدة سترد بعنف على أي محاولة لاقتحام سفارتها في بغداد.
وتقول مصادر واكبت مفاوضات الساعات الأخيرة من يوم السبت، إن الإيرانيين لم يردوا على التوضيح العراقي، ما فتح الباب على جميع الاحتمالات.
من جهتها، قامت الحكومة بالإعلان عن إغلاق العديد من الطرق المؤدية إلى المنطقة الخضراء ومطار بغداد، بحجة حماية التظاهرات، والحقيقة أن الهدف هو منع أي زحف بشري نحو السفارة الأميركية.
تهديدات إيرانية للتسويق المحلي
وقالت مصادر رسمية عراقية إن القطعات العسكرية المسؤولة عن تأمين المنطقة الخضراء دخلت فعليا ضمن حالة التأهب القصوى منذ يوم الجمعة، لمواجهة أي سيناريو يتضمن اقتحام السفارة الأميركية.
ومع حلول أولى ساعات يوم الأحد، بدا واضحا أن إيران ربما تكتفي باستعراضها البشري داخل بغداد في ذكرى اغتيال جنرالها الأبرز ومساعده الأهم، وهو ما حدث فعلا، مع إضفاء شيءٍ من الإثارة على المشهد.
وحاولت إيران أن تُخرج تظاهرة غير تقليدية، إذ استبق المنظمون نزول عناصر الحشد الشعبي بالزي المدني إلى شوارع محددة في بغداد، بتعليق صور سليماني والمهندس على المطعم التركي في ساحة التحرير، رمز التظاهرات العراقية التي انطلقت في أكتوبر 2019 وأطاحت بحكومة عادل عبدالمهدي التي نصبتها طهران.
وقال مشاركون في تنظيم التظاهرة الحاشدة إن الأوامر صدرت لجميع فصائل الحشد الشعبي الموالية لإيران بإرسال عناصرها وهم يرتدون الزي المدني إلى مواقع محددة في بغداد.
وبدا أن إيران تسعى فعليا للثأر من التظاهرات التي هشمت هيبتها في العراق وأطاحت بحكومتها في بغداد، محملة إياها مسؤولية تشجيع الأميركيين على قتل سليماني والمهندس.
وفي موقع الاغتيال داخل مطار بغداد، اعتلى فالح الفياض قائد الحشد الشعبي المنبر ووصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بـ”الخسيس”، لأنه وجه باغتيال سليماني والمهندس.
وخلال الشهور الماضية، حاولت الميليشيات الشيعية إقامة نصب لسليماني والمهندس في الموقع الذي قُتلا فيه، لكن رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي نجح في المماطلة مؤقتا.
وفي صنعاء أثار الظهور الإعلامي المتكرر للسفير الإيراني لدى الميليشيات الحوثية حسن إيرلو، العديد من التساؤلات حول توقيت هذا النشاط الإيراني العلني في اليمن، وطبيعة الرسائل التي تود طهران إرسالها إلى المجتمع الدولي، بعد أن ظلت تنكر لسنوات تقديمها أي دعم للجماعة الحوثية التي سيطرت على الدولة في انقلاب مسلح في سبتمبر من عام 2014.
وقالت مصادر سياسية يمنية إن الضابط في الحرس الثوري الإيراني حسن إيرلو، الذي لم تعرف حتى الآن تفاصيل وصوله إلى اليمن وتنصيبه من قبل الحوثيين سفيرا للنظام الإيراني لدى السلطة الانقلابية، يحاول الظهور كحاكم عسكري إيراني في صنعاء، في الوقت الذي تتصاعد فيه الضغوط الدولية لإنهاء الحرب في اليمن.
واعتبر مراقبون يمنيون أن ظهور إيرلو في احتفال أقيم في مسجد “الصالح” بصنعاء، في الذكرى الأولى لمقتل سليماني، بحضور قيادات حوثية بارزة، مثل استفزازا لقطاع عريض من اليمنيين، وخصوصا أن الاحتفال الذي أقيم في مسجد الرئيس السابق علي عبدالله صالح، جاء بعد تقارير إعلامية غربية، تحدثت عن صدور توجيهات تصفية الرئيس اليمني السابق من قبل سليماني نفسه.
وفي لبنان حرص حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله في خطاب وجهه إلى اللبنانيين في ذكرى اغتيال سليماني على طمأنة حليفه المسيحي رئيس الجمهورية ميشال عون بأنّ إيران لن تستخدم صواريخ الحزب الموجودة في لبنان للانتقام لمقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني.
وشدّد في هذا المجال، في ضوء الانتقادات التي بدأ اللبنانيون يوجهونها لعون ولصهره جبران باسيل رئيس التيّار الوطني الحر، على أن إيران، وليس حزب الله، هي من سيتولى الانتقام لمقتل سليماني.
وتميّزت كلمة نصرالله بالإشادة بمناقب قائد فيلق القدس. وبرّر تسمية شوارع في مناطق لبنانية يسيطر عليها حزب الله باسم سليماني والمهندس بـ”الوفاء” لرجل دافع عن أبناء كل الطوائف، بمن في ذلك المسيحيون. وشدّد في الوقت ذاته على أن شعار “إخراج أميركا من المنطقة” لا يزال معتمدا وهو “عنوان” المرحلة المقبلة.
وقالت مصادر سياسية لبنانية إن نصرالله بدا محرجا في خطابه وحاول تصحيح ما ورد على لسان أحد قادة الحرس الثوري الإيراني عن استخدام صواريخ حزب الله في المواجهة مع إسرائيل. وأكدت أن التفسيرات التي قدّمها لم تكن مقنعة، بل على العكس من ذلك، ارتدّت عليه، خصوصا عندما أشار إلى أن مصدر كلّ الصواريخ الموجودة في لبنان وغزّة هو الجمهورية الإسلامية.
فيما رفض الرئيس اللبناني ميشال عون، أن يكون للبنانيين أي شريك “في حفظ استقلال وطنهم وسيادته على حدوده وأرضه وحرية قراره”، في إشارة إلى إيران. وذلك بعد يوم واحد من تصريحات إيرانية حول دعم لبنان بالقدرات الصاروخية، لمواجهة إسرائيل.
ويضمر الاستعراض البشري والتهديد من قبل قادة الميليشيات في العراق عجزا إيرانيا واضحا عن القيام بأي خطوة قد تستفز الولايات المتحدة، التي اتخذت تدابير شاملة لحماية أعضاء بعثتها في العراق.
ويعتقد مراقبون أن استبدال إيران وميليشياتها في العراق الأعمال العسكرية ضد الولايات المتحدة باستعراض بشري في بغداد يشير إلى أن التهديدات الإيرانية للمصالح الأميركية في المنطقة مجرد جعجعة فارغة.
ويستطيع كثيرون أن ينظموا تظاهرات ناجحة في العراق، على غرار مقتدى الصدر ونوري المالكي وعمار الحكيم، لكنها ستبقى تظاهرات استعراضية تحت السيطرة، على غرار تظاهرة الأحد في بغداد، لكن أحدا من هؤلاء لا يمكنه تحريك زحف جماهيري شامل في العاصمة والمحافظات للهتاف ضد طهران وإحراق قنصلياتها، كما حدث في احتجاجات أكتوبر.
وبالرغم من ذلك، يقول مراقبون إن احتمالات انزلاق الولايات المتحدة وإيران إلى مواجهة عسكرية في المنطقة، ستبقى قائمة خلال الأسبوعين القادمين، لكن كل طرف ينتظر من الآخر القيام بالخطوة الأولى.