كتب – نجلاء القصيص
كان يجلس إلى جانبي على المقعد المجاور يعبث بهاتفه المحمول.
صوت رسائله المتدفقة كالسيل أزعجني جداً.
فقد كنت متوترة لدرجة الإنفجار في أية لحظة.
فأنا أريد الوظيفة لأسباب عدة على رأسها قربها من مسكني.
كل من يدخل إلى المقابلة يخرج وملامح الاستياء مرسومة على وجهه.
في المنزل تركت والدتي طريحة الفراش تكابد السل، وعدتها بشراء علبة الدواء والعودة في أقرب وقت.
صوت فيروز المنساب بهدوء من الهاتف”حبيتك بالصيف ،حبيتك بالشتاء”
تسلل إلى أعصابي وحقنها ببعضٍ من الراحة.
إلتفت إليه، تأملته بشراهة، شكله بدا مألوفاً لدي، لكنني لم أتذكر متى قابلته قبل هذه المرة..!
أزاح عينيه،كمن يريد إخفاء شيءٍ ما..!
ارتفع صوت إحدى المتقدمات للوظيفة بقوة
-لقد طفح الكيل كُف عن إزعاجنا، لملم همهمتك وارحل من هنا.
كأنها لم تخاطبه..!
مادفعها للمغادرة وهي تكيل له أبشع أنواع الشتائم.
رسم إبتسامة منتصر على وجهه، كانت شبه خفية وعاد يتصفح هاتفه.
تحدث بصوت مسموع
“في ديسمبر تنتهي كل الأحلام”
هراء ماذكرته الرواية، كل ما في الأمر أننا نحمل ديسمبر أخطاءنا وخيباتنا ونمضي.
التفت إلي مخاطباً:
-هل تتفقين معي؟
اكتفيت بهز رأسي ولم أتفوه بكلمة واحدة.
أكمل حديثه
-يوجد الكثير من “هذام” وأنا أحدهم
وشردنا في غياهب الصمت.
بعد مرور ربع ساعة حان دوري للدخول لإجراء المقابلة.
توجهت إلى الداخل بخطوات مشحونة بالخوف ، غابت كل الوجوه لحظتها إلا وجه أمي وعلبة الدواء.
قرعت الباب قبل الولوج بقدمي إلى الداخل
كان يعطيني ظهره، التفت إلي مستديراً، استغربت من طريقة المقابلة، بعد ثوانٍ صمت كأنها دهر
خاطبني قائلاً: دعي السيفي على سطح المكتب ثم عاد وسألني لماذا تقدمتِ للوظيفة..؟
علقت كلماتي في حلقي، سحبتها بكل قوتي
-أحتاج الوظيفة واحتفظ بالأسباب لنفسي.
أدار الكرسي باتجاهي
يا إلهي!
لم اصدق ما أرى، لم يتغير منذ آخر لقاء قبل عشر سنوات.
شعرت بداور شديد والأحداث تتداخل في مخيلتي، استعدت كل التفاصيل المنسية.
فقد أعادني إلى لحظة حاولت نسيانها ودفعت ثمنها غالياً.
-لماذا لم تنبسِ ببنت شفة منذ دخولك؟
-أكنت تعرف أنني سأحضر..؟
-لا، محض صدفة
كنت متجهاً إلى المكتب وشاهدتك بين المتقدمين وصديقي عمار يتحدث إليك، فطار قلبي فرحاً أنني وجدتك أخيراً.
فأحببت الرجوع للماضي والعيش فيه حتى لدقائق
قاطعته
-القصص لا تتكرر
-أرجوكِ لنبدأ من حيث انتهت قصتنا
نظرت إليه بتحدٍ
قائلة: مامضى لايعود.
قبل أن أغادر مسرعة، مستحضرة علبة دواء أمي الفارغة وكحتها التي تملأ حنجرتها ولا تنتهي…….