كريتر نت – bbc
كانت إشراق المقطري، وهي محامية يمنية وناشطة في مجال حقوق المرأة، تحس بالأمل والتفاؤل بمستقبل أفضل وهي تشاهد ابنتها الصغيرة، التي حملها أحد المتظاهرين على كتفيه، وهي تهتف “الشعب يريد إسقاط النظام” في أوائل عام 2011 ، حيث بدأت انتفاضات الربيع العربي تجتاح المنطقة.
كانت إشراق من أوائل النساء اللواتي نزلن إلى الشوارع في تعز، المدينة التي أصبحت تعرف باسم مهد الثورة والتي عُرفت بالعاصمة الثقافية لليمن مع ارتفاع نسبة السكان المتعلمة نسبياً .
دعوات متزايدة للتغيير
كانت الاضطرابات التي عززها ارتفاع معدلات الفقر والفساد والدعوات إلى انفصال الجنوب قد اشتعلت فعلياً في اليمن.
وفي يناير/كانون الثاني 2011 ، أيد النواب مشروع تعديل دستوري يسمح بإعادة انتخاب الرئيس علي عبد الله صالح في نهاية فترة ولايته في 27 من الشهر نفسه، خرج آلاف الأشخاص إلى الشوارع في العاصمة اليمنية، صنعاء، مطالبين بإنهاء حكم الرئيس صالح. وسرعان ما انتشرت تلك الدعوات في جميع أنحاء البلاد.
تتذكر إشراق الحماس الذي شعر به اليمينيون عندما سمعوا بخبر تنحي الرئيس المصري حسني مبارك في 11 فبراير/شباط. وعلى إثرها، خرج الشباب إلى الشوارع؛ فقد بدت إمكانية الإطاحة بصالح وارداّ وقريباً.
فرصة للمرأة
تتلفح ليالي مرتفعات جنوب غرب اليمن الشتوية في تعز، ببرد قارس، ورغم ذلك، شعرت إشراق بحاجتها إلى الانضمام إلى الاحتجاجات، فغادرت المنزل بصحبة ابنتيها الصغيرتين.
وعند وصولهن، برزت إشراق كواحدة من بين النساء القلائل في الاحتجاج والوحيدة التي كانت تكشف عن وجهها وترتدي بنطالاً، على عكس النساء اليمنيات اللواتي يرتدين عباءة سوداء والبرقع.
اعتقدت إشراق إنها ستنضم إلى الاحتجاجات لفترة قصيرة، لكنها بدأت تشعر بالقلق على ابنتيها اللتين لم ترتديا ملابس واقية من البرد. كانت تفكر في قرارة نفسها أنهن سيغادرن قريباً، ولكن مع ذلك الحماس انتهى بهن الأمر بالبقاء حتى الساعة 2:30 صباحاً.
وسرعان ما أقام المتظاهرون في تعز اعتصاماً في خيمة، وعرف لاحقاً بميدان الحرية. ثم انضمت طالبات كلية الحقوق والصحفيات إلى الاعتصام، فنساء أخريات من خلفيات متنوعة أيضاً.
كانت فرصة غير مسبوقة بالنسبة للمرأة للإعلان عن وجودها.
“في المجتمع اليمني، حيث ترتفع نسبة الأمية، يولي اليمنيون قيمة خاصة للاحتشام، ربما كانت هناك بعض حالات التحرش بالنساء، ولكن إذا قمنا بالمقارنة، فالتشجيع والحماس كانا أكبر من ذلك”.
كان الاعتصام أيضاً فرصة لإشراق وآخرين للاستفادة من خبرتهم المهنية، فقد عقدت المحامية دورات وجلسات تطوعية حول حقوق الإنسان وخاصة حقوق المرأة.
وتقول موضحة: “كانت مساحة تعرض من خلالها المرأة تجاربها وأيضاً فرصة لاكتساب الخبرة في العمل السياسي والمشاركة في صنع القرار”.
قمع الاحتجاجات
لكن بعد أسابيع قليلة، بدأ الوضع يأخذ منحى معتماً مع شروع قوات الأمن في قمع الاضطرابات.
وفي يوم 18 مارس/آذار، الذي عُرف باسم “جمعة الكرامة” قُتل أكثر من 50 شخصاً بعد أن أطلقت قوات الأمن و والموالين لصالح، النار على المتظاهرين في صنعاء.
كما توغلت القوات الحكومية في ساحة الحرية في تعز، فقتلت حوالي 20 متظاهراً وأحرقت الخيام المنصوبة للاحتجاجات. لكن المتظاهرين استمروا في العودة إلى الميدان كل يوم جمعة وإقامة الصلاة هناك.
وفي 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 ، قصفت القوات الحكومية المتظاهرين، وقتلت 13 شخصاً، كان من بينهم ثلاث نساء.
تأثرت إشراق بشدة بمقتل المتظاهرات اللاتي قضت وقتاً معهن في المسيرات والاعتصامات، وتقول: “لقد زاد ذلك من غضبنا تجاه النظام، لم يعد خط الرجعة شيئاً وارداً بعد إزهاق كل تلك الأرواح البريئة”.
الانزلاق نحو الصراع
في ذلك الصيف، سافر الرئيس صالح جواً إلى المملكة العربية السعودية لتلقي العلاج من الإصابات الناجمة عن انفجار قنبلة في قصره. وبحلول نهاية نوفمبر / تشرين الثاني، أقنعه جيرانه الخليجيون بالتنحي مقابل الحصول على الحصانة والحماية، منهياً بذلك حكمه الذي دام 33 عاماً، لكن ظل العديد من الموالين لصالح في مناصبهم في السلطة.
ولم تكتمل سعادة إشراق برحيل صالح لأن ذلك الهدف الذي نزلت من أجله هي وآخرين إلى الشارع لم يكن مرجواً”.
“كانت التوقعات أن يحدث في اليمن ما حدث في تونس وأماكن أخرى، وأن يسقط النظام السياسي القديم كلياً”.
وفي عام 2014 ، خرجت جماعة الحوثي من معقلها الشمالي وتمكنت من السيطرة على العاصمة صنعاء، بدعم من حليف قوي غير متوقع؛ الرئيس السابق علي عبدالله صالح ( قُتل لاحقاً في عام 2017)، الذي شن ست حروب ضد الجماعة المتمردة خلال فترة حكمه.
وفي عام 2015، هرب الرئيس عبد ربه منصور هادي من البلاد، وشن حملة عسكرية في تحالف عسكري بقيادة السعودية، ضد الحوثي/ حليف صالح، في مارس/آذار من ذلك العام.
لا يزال مستقبل اليمن على كف عفريت، إذ أودى الصراع بحياة أكثر من 100 ألف شخص وتسبب في أسوأ كارثة إنسانية في العالم.
مستقبل مجهول
إشراق الآن قاضية وعضوة في لجنة التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، المعترفة بها دوليا.
تقول إنها وآخرين ممن شاركوا في الانتفاضة ليسوا نادمين على مطلبهم بالتغيير.
وتضيف: “ما حدث منذ نهاية عام 2014 ليس مرتبطا إطلاقاً بالثورة ومطالبها، لكنه كشف حقيقة عمق النظام السياسي… لقد كان بمثابة شكل من أشكال الانتقام من الثورة”.
تقول إشراق إنها وعائلتها لم يفكروا قط في مغادرة اليمن، وإنها مصممة على البقاء والاستمرار في فعل كا ما بوسعها من أجل بلدها.
“خرجت لأول مرة إلى التظاهر من أجل أطفالي والجيل القادم. لكن المحزن هو أن المستقبل وخاصة بالنسبة للأطفال والشباب اليمنيين ليس واضحاً. أشعر بالحزن لأن طموحاتنا في عام 2011، كانت أن يزدهر دربنا بالورود، لكنه تحول في عام 2014، إلى حقل للألغام”.