تصاعد القتال وفشل المساعي الدولية لوقف الحرب ينذران بتصعيد دام غير مسبوق
كنعان الحميري
يبدو أن جبهات القتال في مأرب آخذة في التصعيد المضطرد بعد أشهر من شن ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران أكبر هجوم يقابله دفاع قوات الجيش الوطني على رغم التكلفة الباهظة في فاتورة المواجهات المفتوحة التي تستنزف رصيد الطرفين بشرياً ومادياً.
وعلى الرغم من الضغط الدولي، الذي تتقدمه الولايات المتحدة وبريطانيا، الساعي لوقف هجوم الحوثي على المحافظة النفطية التي تمثل آخر معاقل الحكومة الشرعية شمالاً وفرض وقف إطلاق النار تمهيداً للدخول في محادثات سلام تضع حداً للحرب الطاحنة التي خلفت واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، فإن الطرفين يستمران في التصعيد في ما يشبه استماتة كل منهما بانتظار كسر عظم الآخر.
دعوة لأبناء اليمن
وفي صعود مستمر لمؤشر الحرب البياني في اليمن، دعا محافظ مأرب اللواء سلطان بن علي العرادة، الثلاثاء، “شباب وأبناء اليمن للنفير العام والدفاع عن مستقبلهم”، داعياً إياهم إلى الانخراط في معسكرات التدريب بالجيش الوطني للالتحاق بزملائهم ورفاقهم في الجبهات، “لمواجهة ميليشيات الحوثي الإرهابية التي جاءت بمبادئ مغايرة لمبادئ الشعب اليمني وقيمه وهويته”.
كان ذلك خلال ترؤسه لقاءً موسعاً للوقوف على آخر التطورات الميدانية والعسكرية في المحافظة وآليات دعم وإسناد الجيش الوطني في مواجهة ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران.
أبعد على إيران من نجوم السماء
وقلل العرادة من الأنباء التي تتحدث عن تحقيق الحوثيين انتصارات ميدانية وفقاً لوسائل إعلامية موالية لهم بقوله “يجب أن يفهم الحوثي أن المسألة أكبر بكثير من جلب مجاميع الأطفال والمغرر بهم بالمئات إلى خطوط النار لأخذ تبة (هضبة جبلية صغيرة) هنا أو موقع هناك”.
وطلبت “اندبندنت عربية” في سؤال وجهته إلى الخارجية الإيرانية عبر البريد الإلكتروني، التعليق على اتهامها بتهريب شحنة الأسلحة إلى اليمن ولم تتلق بعدُ رداً من
وفي نهاية حديثه، كان لافتاً سعي العرادة إلى إيصال رسالة معنوية للقوات المدافعة عن محافظته بقوله إن “الدعوة للتعبئة والإسناد ليست خوفاً على مأرب، إنما للاستنفار لتحرير العاصمة صنعاء وكل المحافظات”.
مرحلة جديدة
وفي حين توافد المئات من رجال القبائل والشباب إلى معسكرات الجيش، تلبية لدعوة المحافظ، رحبت وزارة الدفاع في اجتماع عسكري رفيع، بإعلان السلطات المحلية في عدة محافظات، “تدشين مرحلة جديدة من التعبئة والإسناد لرفد الجبهات والالتحاق بالمعسكرات لمساندة الجيش الوطني في حربه ضد المشروع الإيراني في اليمن”.
وبينما يشير إلى تطورات محتملة في سير المعارك اليومية التي تشهدها ضواحي المدينة، ناقش الاجتماع “الوضع العسكري وآليات التعبئة والإسناد لرفد الجبهات والالتحاق بالمعسكرات، لمساندة الجيش واستكمال تحرير العاصمة صنعاء وصعدة وبقية المحافظات الواقعة تحت سيطرة ميليشيات الحوثي”.
وتأتي هذه التطورات عقب فشل التحركات الدبلوماسية الدولية التي تشهدها العاصمة العمانية مسقط الرامية لوقف العمليات القتالية في مأرب عقب رفض الحوثيين الأسبوع الماضي مقابلة المبعوثين الأممي مارتن غريفيث والأميركي تيم ليندركينغ.
ما ينبئ، وفقاً لمراقبين، إلى استمرار التصعيد في العمليات القتالية الأمر الذي سيضاعف التكلفة الإنسانية ويفاقم معاناة غالبية السكان.
استنفار قبلي في الجوف
وعقدت قبائل “دهم” في محافظة الجوف (المحاذية للسعودية شمال البلاد) اجتماعاً موسعاً ضم المحافظ أمين العكيمي وعدداً من القيادات السياسية والقبلية والشخصيات الاجتماعية، استجابة لدعوة النفير العام، وإسناد الجيش الوطني في المعركة الوطنية ضد الميليشيات الحوثية المدعومة إيرانياً.
تفاعل إيجابي
وفي إجراء مماثل، دعا محافظ صنعاء اللواء عبد القوي شريف، أبناء المحافظة وفي مقدمهم الشبان إلى التفاعل الإيجابي مع حملة التعبئة العامة والإسناد للجيش الوطني في المعركة الوطنية ضد الميليشيات الحوثية ورفد الجبهات بالرجال والأموال والعتاد. وفقاً لوكالة الأنباء الرسمية “سبأ”.
ضد طواغيت العالم
ويدافع الحوثيون عن “شرعية معركتهم” في مأرب، ويعتبرونها “معركة مقدسة ضد طواغيت العالم”.
وفي تغريدة له على “تويتر”، في مارس (آذار) الماضي، قال القيادي المعين محافظاً لذمار في الحكومة التابعة للجماعة محمد البخيتي، إن “الشعب اليمني يخوض معركة مقدسة ضد كل طواغيت العالم، الذين تكالبوا عليه، وسيترتب عليها مصير الأمة”.
تحذير ورسائل
مراقبون اعتبروا نداء العرادة تحذيراً مدوياً من السقوط المتوقع نتيجة للاستماتة الحوثية للسيطرة على المحافظة النفطية، في حين فسّره البعض إنذاراً للحكومة والتحالف المساند لها لرفد الجبهات بمتطلبات عاجلة.
يقول المحلل العسكري، عبد العزيز الهداشي، إن نداء محافظ مأرب للنفير العام هو نداء منطقي يحمل ثلاثة مدلولات مهمة.
ووفقاً لقراءته يتضمن هدف الدعوة الأول حثّ الشباب وسكان المحافظة على رفد الجبهات، نظراً إلى الاحتياج الفعلي لذلك، في ظل الخسائر البشرية في صفوف الجيش الوطني. أما الرسالة الثانية، فتهدف إلى “رفع الروح المعنوية لقوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية التي تسانده”.
وتتضمن الثالثة “إيصال رسالة تحذيرية لكل من الحكومة الشرعية والتحالف العربي على السواء لسرعة رفد جبهات القتال بتعزيزات عسكرية ظل الجيش يطالب بها ومنها نوع معين من الأسلحة”.
فقد مؤثر
يؤيد الهداشي الآراء التي فسّرت دعوة العرادة بأنها مخاوف ربما تسبق السقوط الوشيك “خصوصاً أن الحوثيين مستمرون في هجماتهم المنتحرة على الرغم من الضحايا الكثر في صفوفهم، إلا أن ذلك لا يمثل لها (الميليشيات) أي اعتبار”، على العكس من الجيش الوطني الذي يحدث سقوط ضحايا في صفوفه “هزة كبيرة يصعب تعويضها، وهذا أبرز العوامل التي تخيف المحافظ والحكومة الشرعية ما دفعه إلى الدعوة لرفد الجيش بالمقاتلين”.
الأمن مع الجيش
وهنا يشير إلى أن الاستعانة بقوات الأمن للمشاركة في الدفاع عن مأرب مع الجيش أخيراً، تؤكد أن “خسائر الجيش ليست قليلة أو هينة سواء القتلى أو الجرحى أو الأسرى، ولهذا رأينا كيف شارك قائد قوات الأمن المركزي عبد الغني شعلان ونائبه في المعارك التي تسببت بمقتلهما رفقة العديد من رجال الأمن”.
جيش منظم يواجه ميليشيات
عن سير المعارك يرى المتخصص العسكري أن موازين القوة ترجّح كفة الجيش اليمني الذي “أظهر أخيراً احترافية وتنظيماً عاليين بعكس ما كانت عليه الحال في السابق في مواجهة الميليشيات التي تنتهج طريقة الزج غير المحسوب بالأنساق البشرية بلا هدى”.
ويضيف “بعد أن كانت القوة تميل لصالح الميليشيات الحوثية باتت أخيراً تميل كثيراً إلى الجيش الوطني”. ويستدل بقوله “أصبحنا اليوم نرى انسحابات تكتيكية تستدرج الميليشيات إلى كمائن محكمة كلفت الحوثي الكثير جداً من قوته البشرية، كما أن الجيش هو الذي يناور ويهاجم وينفذ التفافات ناجحة، فضلاً عن كونه الطرف المهاجم في عدد من الجبهات بطريقة مدروسة لا تهور فيها”.
وبهذا يتطرق إلى سير العمليات العسكرية في جبهة رغوان (على حدود محافظة الجوف المحاذية)، إذ بدأ الجيش “استخدام الخنادق والأنساق الدفاعية المتعددة الناجحة، ومنها تلغيم طرق تحركات الميليشيات”.
الاختراق وارد
وفي حين يقلل الهداشي من مساعي الحوثيين إحداث اختراق عسكري يمكنهم من بسط سيطرتهم على المحافظة الاستراتيجية، إلا أنه لا يستبعد حدوث ذلك بشكل مطلق “فاحتمالية تقدم الميليشيات نحو مأرب تظل واردة كون هجماتها لم تتوقف من عدة محاور في ظل خسائر الجيش على صعيدي العناصر والعتاد”.
المصدر : أندبندنت عربية