كريتر نت – مسقط
قالت مصادر خليجية مطلعة إن سلطنة عمان تتجاوب مع إشارات أطلقتها دول خليجية عن استثمارات في السلطنة على خلفية دعم مفترض في مواجهة احتجاجات مطلبية خصوصا من جيل الشباب، لكنها لا تعول كثيرا على تنفيذ الكثير منها.
وأضافت أن تجربة مسقط السابقة بهذا الخصوص، بعد احتجاجات شهدتها السلطنة عام 2011، لا تشجع العمانيين على التعويل كثيرا على الوعود. وكانت الدول الخليجية قد وعدت بإنشاء صندوق خليجي لدعم سلطنة عمان والبحرين بمبلغ 10 مليارات دولار لتجاوز الأزمة الاقتصادية ومواجهة الاحتجاجات المطلبية، لكن العمانيين أشاروا إلى أن الصندوق لم يجد طريقه إلى التنفيذ.
وتربط دول خليجية بين العلاقة البينية مع عمان وعلاقة مسقط مع إيران التي يبررها العمانيون بمنطق الحياد.
وأجرى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز الأسبوع الماضي اتصالا هاتفيا بالسلطان هيثم بن طارق بعد أيام من اندلاع الاحتجاجات في صحار ومدن عمانية أخرى، على ما أفادت به وكالة الأنباء العمانية الرسمية.
حاتم الطائي: ربط اللقاء السعودي العماني بالاحتجاجات عمل يجافي الحقيقة
وعقد الثلاثاء اجتماع بين وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح ووزير التجارة والصناعة العماني قيس اليوسف مما يشير إلى أن السعودية اتخذت خطوات عملية في إطار التقارب وأن عمان تخلت عن تحفظها في هذا الشأن.
لكن مستوى الاجتماعات، وإن كان وزاريا، يشير إلى أن ثمة الكثير من الخطوات اللازم اتخاذها بين الطرفين للوصول إلى مرحلة الدعم.
واعتمدت السعودية خلال السنوات الأخيرة سياسة تقديم الاستثمارات بدلا من الدعم المالي المباشر، وربطت بين استثماراتها والجدوى السياسية للعلاقة مع الدول المعنية.
ودأبت مسقط على حساب خطواتها في العلاقة مع دول الخليج في ظل معادلة التوازن مع إيران التي تلتزم بها سلطنة عمان، لكنها باتت الآن مضطرة إلى تسريع خطواتها للحصول على تمويلات خليجية سواء في شكل قروض أو مشاريع استثمارية لإنعاش الاقتصاد العماني وتوفير فرص العمل وتحسين الخدمات وتطوير البنية التحتية في البلاد لاستباق أيّ احتجاجات جديدة.
واصطدمت خطط السلطان هيثم بن طارق الواعدة بشأن تطوير الاقتصاد العماني وتوفير فرص العمل للعمانيين بأزمة الوباء وتأثيرها الكاسح على أسعار النفط الذي يعد المصدر الرئيس لعائدات السلطنة، الأمر الذي يتطلب البحث عن تمويلات خارجية بالقدر الكافي لمواجهة هذه الأزمة. ومن شأن الحصول على تمويل خليجي أن يساعد السلطان هيثم على تنفيذ استراتيجيته الهادفة إلى تحسين أوضاع العمانيين.
وقال مصدر سياسي عماني إن العمانيين يراهنون على متانة الأخوّة مع أشقائهم الخليجيين، وإن السلطان هيثم ليست لديه أيّ موانع لقطع الخطوة الأولى التي تضع السلطنة في عمقها الخليجي، لكن على الآخرين أن يتقبلوا الرغبة العمانية بنفس الحماس.
وأضاف المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه في تصريح لـ”العرب” أن التعاون بين الأشقاء لا يعني أن تُطْلب من السلطنة مواقف وخطوات سياسية تتناقض مع حيادها التقليدي سواء في العلاقة مع إيران أو في ملف اليمن أو في الخلافات الداخلية في مجلس التعاون، محذرا من أن الشروط المسبقة قد تقود إلى إفشال هذا التقارب.
ويعتقد مراقبون أن حصول عمان على الدعم الذي تحتاجه في الوقت المناسب سيكون رسالة طمأنة لها وتأكيدا على صواب خيار العودة إلى العمق الخليجي الذي يميل إليه السلطان، وهو بمثابة مكافأة مباشرة لسياسته الجديدة، فضلا عن كونه يفتح الباب أمام مراجعة مسقط لعلاقتها بإيران التي تعيش أوضاعا صعبة اجتماعيا واقتصاديا ولا تقدر على مساعدتها.
ويشير مراقبون إلى أن على السعوديين ألا ينزعجوا من استراتيجية الحياد العماني وتحويلها إلى نقطة لصالحهم، فمثلما توفر مسقط حاليا فرصة للرياض لحلحلة حرب اليمن من خلال استضافتها لمختلف الفرقاء، فهي يمكن أن تكون لاحقا نقطة لقاء في أيّ مفاوضات لاحقة مع إيران، وهو المسار الذي بدأه السعوديون بحذر في العراق.
ورفض حاتم الطائي رئيس تحرير صحيفة “الرؤية” العمانية اعتبار اللقاء الوزاري العماني – السعودي مرتبطا بالتظاهرات السلمية التي عبّر من خلالها بعض الشباب العماني عن تطلعاتهم لفرص عمل متكافئة وعادلة.
واعتبر الطائي في تصريح لـ”العرب” أن اللقاء يأتي “في إطار أهداف استراتيجية طموحة للرؤية الوطنية لسلطنة عمان 2040، ورؤية المملكة العربية السعودية 2030، واللتين تستهدفان بناء اقتصادات وطنية ديناميكية مندمجة مع العالم”.
وقال “صحيح أن اللقاء هذه المرة أثمر عن خطوة عملية أكثر جدية باتجاه تشكيل فريق عمل لوضع خطة لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، إلا أنه لا يعدو كونه سوى حلقة في سلسلة من التعاون الثنائي المثمر في مجال الاستثمار والفرص المتاحة، والتباحث المشترك من أجل خلق فرص استثمارية ومشاريع واعدة للتنويع الاقتصادي قابلة للاستثمار بين الجانبين”.
سالم بن حمد الجهوري: التمويل الخليجي خيار مؤقت والأولوية للمشاريع الاستراتيجية
وأضاف “سيكون تفعيل مجلس الأعمال العماني – السعودي بجانب الغرف التجارية في البلدين، ودورهما الاستراتيجي في دعم القطاع الخاص ودوره في التنمية الاقتصادية، خطوة في الاتجاه الصحيح”.
وقال التلفزيون الرسمي العماني إن الاجتماع الافتراضي الذي عُقد بين وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح ووزير التجارة والصناعة العماني قيس اليوسف قد تناول تنويع موارد الاقتصاد والقطاعات ذات الفرص الاستثمارية.
واعتبر سالم بن حمد الجهوري الباحث العماني في الشؤون الدولية “أن العمانيين يرون أن الدعم والتمويل الخليجي لن يكونا مجديين وإنما هما خيار مؤقت في حال تم الاتفاق عليه، وأن الأولوية عمانيا ستكون لتعزيز خيار إقامة المشاريع الاقتصادية والاستثمارية والصناعية الاستراتيجية وتنويع مصادر الدخل، وهي العوامل التي تصنع الفارق في الاقتصاد العماني ليكون القاطرة التي يعتمدون عليها في مسيرتهم التجارية خلال السنوات المقبلة والتي تستطيع أن تجلب لهم الايرادات المالية وأن تعيد التوازن المالي إلى وضعه الطبيعي”.
وقال الجهوري في تصريح لـ”العرب” إن الاجتماعات العمانية السعودية “تأتي استكمالا للزيارات المتبادلة التي تمت خلال الشهور الماضية وقبل الاعتصامات الأخيرة، وهي تهدف إلى إقامة المشاريع الاقتصادية المشتركة، فقد زار قبل أشهر وفد من رجال الأعمال السعوديين بعض المرافق الحيوية والمدن الاقتصادية العمانية للاستفادة من الخدمات المتوفرة لديها لإقامة عدد من المشاريع فيها”.
وأشار الجهوري إلى أن الحكومة العمانية لديها أفق طموح يتمثل في التنويع الاقتصادي وتعزيز وجودها في الأسواق الخليجية والعالمية.
وضغطت الصدمة المزدوجة لتدني أسعار النفط وأزمة كوفيد – 19 بشدة على المالية العامة لعُمان ودفعت ديونها إلى مستويات قياسية مرتفعة غير مسبوقة، مما دفعها إلى فرض ضرائب جديدة وتجميد التوظيف في القطاع العام وإجراءات تقشفية أخرى.
وتظاهر عمانيون احتجاجا على البطالة ومطالبين بتسريع خيار توطين الوظائف. وبدأت الاحتجاجات في مدينة صحار، ثم انتقلت إلى صلالة جنوب العاصمة مسقط، ومنها إلى مدن وولايات أخرى.
ووجّه السلطان هيثم الجهات المعنية بسرعة تنفيذ المبادرات التشغيلية بتوفير ما يزيد عن 32 ألف فرصة عمل خلال هذا العام، منها 12 ألف فرصة عمل في القطاع الحكومي المدني والعسكري.
وقال الطائي إن خلق فرص جديدة “هو نقطة أخرى في عمق جهود الحكومة في بلادنا، والتي آثرت هذه المرة أن تتعامل بطريقة احترافية مع حلحلة جذور أزمة الباحثين عن عمل، بفضل توجيهات السلطان هيثم”.
وفي العام الماضي شرعت عُمان في محادثات أولية مع بعض دول الخليج للحصول على مساعدة مالية.
وكان قد تمّ الكشف في أغسطس الماضي عن اختيار الحكومة العمانية الاستعانة ببنك أبوظبي الأول وهو أكبر بنك إماراتي لترتيب قرض تسعى عمان للحصول عليه من الخارج في إطار سعيها لتجاوز مصاعبها المالية.
المصدر : العرب اللندنية