عدن- مسقط – صالح البيضاني
حمل بيان التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن بشأن وقف عملياته إشارة إلى اختراق على المسار التفاوضي حققته الوساطة العمانية المدعومة من السعودية. وعزا التحالف قراره إلى رغبته في “تهيئة الأجواء السياسية للمسار السلمي”. وتزامن ذلك مع حديث عن تهيؤ الحوثيين لفتح مطار صنعاء ضمن سياق تهدئة كانت حملتها المبادرة الأممية وتحرك العمانيون على أكثر من واجهة لتحصيل الدعم لها.
وذكرت مصادر عمانية مطلعة لـ”العرب” أن هناك اتفاقا شبه جاهز بشأن وقف إطلاق النار وفتح مطار صنعاء وميناء الحديدة وفق اتفاق ستوكهولم عام 2018، وأن هذه الخطوات هدفها بناء الثقة بين الفرقاء قبل الحوار حول المسائل السياسية، وهي جزء من حزمة واحدة.
وأشارت المصادر إلى أن هذا الاتفاق، الذي قد لا يصمد بسبب تصريحات حوثية مستفزة، تم التوصل إليه خلال اجتماعات مكثفة دامت أشهرا وجرت في مسقط بين مسؤولين عمانيين ومسؤولين سعوديين ويمنيين، وكذلك مع الحوثيين، فضلا عن حراك إقليمي ودولي من الرياض إلى صنعاء إلى طهران.
واعتبر محمد مبارك العريمي، رئيس جمعية الصحافيين العمانيين، أن هذه فرصة أخيرة بالنسبة إلى الحوثيين كي يتقبلوا دون تعنت مبادرة التهدئة التي هي ليست عمانية ولا خليجية وإنما هي مبادرة أممية.
وقال العريمي في تصريح لـ”العرب” إن الأمور ستتضح خلال الأسبوع القادم، متوقعا انفراجة لعدة أسباب، على رأسها زيارة الوفد العماني رفيع المستوى إلى صنعاء وظهوره على شاشات التلفزيون، وهو ظهور لا يحصل عادة إلا إذا كان هناك شيء قد نضج وحان أوان إخراجه إلى حيز الوجود.
محمد مبارك العريمي: فرصة أخيرة أمام الحوثيين ليلتزموا بالمبادرة الأممية
وأعلن المكتب الإعلامي للمبعوث الأممي الخاص إلى اليمن مارتن غريفيث عن اختتام المبعوث زيارة إلى إيران استغرقت يومين والتقى خلالها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف وكبار المسؤولين الإيرانيين، وتمت فيها “مناقشة آخر التطورات في اليمن”.
وأشار المكتب في بيان له إلى تأكيد غريفيث مجددا على أن “حلّ النزاع يكون من خلال تسوية سياسية شاملة تفاوضية”.
وترافقت زيارة المبعوث الأممي لطهران، والتي لم يعلن عنها إلا بعد انتهائها الخميس، مع زيارة قام بها وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي إلى العاصمة السعودية الرياض، ترجح مصادر “العرب” أن تكون على صلة وثيقة بالحراك الدبلوماسي النشط حول الملف اليمني ونتائج زيارة الوفد الأمني العماني إلى صنعاء.
وتلعب مسقط دورا محوريا في الحراك الدبلوماسي الدولي والإقليمي لإنهاء الحرب في اليمن، من خلال تقريب وجهات النظر ونقل الرسائل الغربية إلى الحوثيين وتيسير المباحثات غير المباشرة بين الجماعة الحوثية والأطراف الفاعلة في الملف اليمني.
وكشفت مصادر خاصة لـ”العرب” أن وفد المكتب السلطاني العماني الذي زار صنعاء والتقى بزعيم الجماعة الحوثية عبدالملك الحوثي لم يحصل على موافقة نهائية من الحوثيين على خطة وقف إطلاق النار في اليمن باعتبارها حزمة واحدة غير قابلة للتجزئة.
وأشارت المصادر إلى أن الحوثي أوكل مهمة مناقشة التفاصيل الفنية التي تم عرضها عليه من قبل العمانيين إلى رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين مهدي المشاط الذي أكد خلال استقباله الوفد العماني على الرؤية الحوثية التي تقوم على فصل المسار الإنساني عن السياسي، واشتراط فتح مطار صنعاء الدولي أمام الرحلات الدولية ولوجهات غير محددة، ورفع القيود المفروضة على ميناء الحديدة، قبل الدخول في تفاصيل وقف إطلاق النار الشامل.
ووفقا للمصادر يسعى الحوثيون لفصل مسار حوارهم مع التحالف العربي عن الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، عبر مقاربة خاصة تقوم على مقايضة وقف الهجمات على الأراضي السعودية بوقف عمليات التحالف العربي الجوية، في الوقت الذي يبدي فيه المتمردون الحوثيون إصرارا كبيرا على استمرار حملتهم العسكرية على مدينة مأرب التي تشير المعطيات إلى أنها باتت نقطة الخلاف الرئيسية في المباحثات حول وقف إطلاق النار في اليمن.
وفي أول رد حوثي معلن على الخطة الأممية، التي قدمها الوفد الأمني العماني للحوثيين في صنعاء، أعلن المجلس السياسي الأعلى التابع للجماعة في اجتماع أعقب لقاء رئيسه مهدي المشاط بالوفد العماني أن “فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة استحقاق إنساني بسيط لا يعد مكرمة من أحد”، نافيا ربطه بأي استحقاقات أخرى وأولها وقف الهجمات على مأرب التي هزتها ثلاثة انفجارات كبيرة، وقال مسؤول محلي إنها نتيجة هجمات صاروخية وعمليات قصف بطائرات مُسيرة من جانب الحوثيين.
وأكد المجلس على “ثلاثة مبادئ أساسية لا يمكن الحياد عنها في أي نقاشات قادمة، تتمثل في رفع الحصار ووقف العدوان جوا وبرا وبحرا وإنهاء الاحتلال وخروج القوات الأجنبية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لليمن”
ووصف الباحث السياسي اليمني ونائب رئيس الدائرة الإعلامية للمؤتمر الشعبي العام عبدالحفيظ النهاري، في تصريح لـ”العرب”، البيان الصادر عما يسمّى “المجلس السياسي الأعلى” بأن “أقل ما يمكن أن يطلق عليه أنه بيان حرب”.
محمود الطاهر: التصعيد الحوثي هدفه التغطية على تفاهمات سرية وإخفاؤها
وقال “حاول الحوثيون في البيان الإيحاء بحصر الجهود العمانية في البعد الإنساني، وهذا غير صحيح، ومجرد تضليل للرأي العام المحلي، ومن الواضح أنه لا يتوافق مع الحزمة الدولية التي تتضمن الأبعاد الثلاثة: الإنسانية والعسكرية والسياسية”.
وأضاف النهاري، في تصريح لـ”العرب”، “وإذا كان فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة يأتي تلبية للاحتياجات الإنسانية فليس صحيحا أن ذلك دون شروط، كما يوحي البيان، كما أن فحواه لا يعبر عن جوهر جهود الوساطة العمانية وعن الالتزامات المتبادلة والمترابطة، وخاصة وقف إطلاق النار الشامل وما يتبعه من خطوات”.
ويرى مراقبون للشأن اليمني أن أبرز ما يهدد جهود السلام اليمنية هو محاولة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران إظهار نفسها في موقع الطرف القوي القادر على فرض شروطه، والتعامل مع التنازلات التي تقدمها الأطراف الأخرى في المعادلة اليمنية والإقليمية بوصفها تعبيرا عن حالة ضعف، وهو ما يغري الحوثيين -بحسب المراقبين- ويدفعهم إلى تقديم المزيد من الاشتراطات وانتقاء بنود السلام ومحاولة تجزئتها بما يخدم مصالح الجماعة.
ولم يفهم الحوثيون الإشارات الأميركية التي تضغط من أجل فرض حل سياسي، ما دفع بوزارة الخزانة الخميس إلى فرض عقوبات على أعضاء شبكة إقليمية تساعد الحوثيين، وهي رسالة قوية تفيد بأن واشنطن لن تقبل في المستقبل أي شكل من أشكال المناورة لدى المتمردين.
واعتبر الباحث السياسي اليمني محمود الطاهر أن الحراك الدبلوماسي الدولي والعربي الساعي لوقف الحرب في اليمن والبدء بعملية سياسية يشير إلى أن هناك تعثرًا رغم ما قدمه التحالف العربي والمجتمع الدولي من إغراءات للميليشيا الحوثية كي تقبل بخيار السلام.
عبدالحفيظ النهاري: الحوثيون يحاولون حصر الجهود العمانية في البعد الإنساني
ولفت الطاهر في تصريح لـ”العرب” إلى أن تحركات وزراء خارجية اليمن وعمان والسعودية، وكذلك المبعوثين الدولي والأميركي إلى اليمن، تشير إلى أننا نقترب من اللحظات الأخيرة قبل الإعلان عن بدء عملية سياسية أو فشل المجتمع الدولي في جر الحوثيين إلى طاولة المفاوضات، وهو ما بات واضحًا من خلال التصريحات التي أطلقها وزير الخارجية اليمني أحمد عوض بن مبارك، وأكد فيها أن الكرة في ملعب الحوثيين، كما جاء في تصريحاته لصحيفة “العرب” الخميس.
وعلق الطاهر على تصريحات التحالف العربي بشأن وقف عملياته قائلا إنها طريقة تعاط جديدة مع الحوثيين لتشجيعهم على الانخراط بجدية في التسوية السياسية، وهو الأمر الذي يقابله الحوثيون “بالمزيد من التعنت ورفع سقف مطالبهم، ظنًا منهم أنهم انتصروا في هذه الحرب”.
ولم يستبعد الطاهر أن يكون الخطاب الإعلامي الحوثي المتصلب محاولة للتغطية على “تفاهمات سرية يريد الحوثي إخفاءها، قد يشير إليها إعلان التحالف العربي وقف الطلعات الجوية وفتح المطارات اليمنية”.
المصدر : العرب اللندنية