كريتر نت – متابعات
كشف تشدد بريطاني وفرنسي في التعامل مع امرأة بريطانية سُحبت جنسيتها بسبب انضمامها إلى داعش بالرغم من ندمها، وكذلك مع إمام تونسي تم طرده من فرنسا بعد إدلائه بتصريحات ملتبسة، أن الجالية المسلمة في أوروبا أصبحت محاصرة بالشكوك وانعدام التسامح.
وزاد هذا التشدد بعد هجوم حركة حماس في أكتوبر الماضي على غلاف غزة واختطاف أعداد من المدنيين، من ضمنهم صغار ونساء وشيوخ، واتخاذهم رهائن في المعركة الدائرة بين الحركة وإسرائيل. ومنح الهجوم زخما كبيرا لليمين الأوروبي، الذي صار يحكم دولا أوروبية مهمة عرفت تاريخيا بتسامحها حيال الجالية المسلمة، وفتْحها الباب أمام موجات اللاجئين من الشرق الأوسط بسبب الحروب والبطالة والأزمات السياسية.
وأصبح المهاجرون المسلمون أمام واقع مختلف ومتغير، ويبدو أن ما سيواجهونه الآن سيكون أشد وأقسى سياسيا وقانونيا في ظل وجود مناخ معاد للأجانب، وخاصة منهم الجالية المسلمة.
وكان للمسلمين دور في تغذية هذا المناخ المعادي بسبب سلسلة من الأخطاء، لعلّ أبرزها موجة التدين المعادية للغرب وقيمه ومحاولات خلق مجتمعات “مسلمة” موازية ومنغلقة على نفسها. وقد بدأ الأمر برفض الانصهار في المجتمعات الغربية بالرغم من الإغراءات والمساعدات التي تعرضها الحكومات على المهاجرين لمساعدتهم على التأقلم. ثم زاد الوضع تأزما عقب ظهور موجات التطرف والهجرة الجهادية المعاكسة والتثقيف المضاد.
◙ الصورة العامة الآن هي أنه لا يمكن الثقة بالجالية المسلمة في أوروبا ولا التساهل مع أي شخص يمكن أن يستفز ولو بشكل محدود الرأي العام
ولم يكتف المسلمون في أوروبا بنمط تديّن متشدد لم تعرفه أغلب بلدانهم الأصلية، بل سعوا أيضا إلى فرضه على المجتمعات المستضيفة التي تم التعامل معها على أساس أنها مجتمعات “جاهلية”. وركب الكثير من الشبان من الجيل الثالث والرابع، الذين فشلت عائلاتهم في الاندماج، موجة التطرف وانضموا إلى جماعات جهادية دفعتهم إلى تنفيذ عمليات إرهابية مغالية في التوحش مثل دهس المدنيين أو الذبح والتفجير الانتحاري واحتجاز الرهائن.
والصورة العامة الآن هي أنه لا يمكن الثقة بالجالية المسلمة في أوروبا، ولا التساهل مع أي شخص يمكن أن يستفز ولو بشكل محدود الرأي العام المتحفز ضد الجالية، حتى لو كان ما صدر عنه من الأمور التي تم التسامح فيها سابقا مثل الهجوم على هوية الدولة ومؤسساتها ورموزها الدستورية.
وتراجع التسامح مع سلوك الجالية المسلمة، الذي يميل إلى الانغلاق، في الدول الأوروبية التي تتركز فيها كبرى الجاليات المسلمة مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا، والتي عرفت بالتسامح واعتماد سياسة اجتماعية تشجع على استيعاب الأقليات.
ففي بريطانيا رفضت محكمة الاستئناف في لندن الجمعة طعن امرأة بريطانية المولد في قرار سحب جنسيتها البريطانية بعدما ذهبت إلى سوريا عندما كانت طالبة للانضمام إلى تنظيم داعش. وسحبت الحكومة البريطانية جنسية شميمة بيغام لأسباب تتعلق بالأمن القومي في عام 2019، بعد وقت قصير من العثور عليها في معسكر اعتقال في سوريا.
وقالت بيغام، البالغة من العمر الآن 24 عاما، إن القرار غير قانوني، ويرجع ذلك جزئيا إلى فشل المسؤولين البريطانيين في النظر بشكل صحيح في ما إذا كانت ضحية اتّجار بالبشر، وهي حجة رفضتها محكمة أقل درجة في فبراير 2023.
وقالت القاضية سو كار “يمكن القول إن القرار الذي اتّخذ بشأن قضية السيدة بيغام كان قاسيا. ويمكن القول أيضا إن السيدة بيغام هي سبب سوء حظها”. وأضافت “لكن ليس من اختصاص هذه المحكمة أن تتفق أو تختلف مع أي من وجهتي النظر. مهمتنا الوحيدة هي تقييم ما إذا كان قرار الحرمان غير قانوني… وخلصنا إلى أنه لم يكن كذلك وتم رفض الاستئناف”.
◙ المسلمون في أوروبا لم يكتفوا بنمط تديّن متشدد لم تعرفه أغلب بلدانهم الأصلية بل سعوا أيضا إلى فرضه على المجتمعات المستضيفة
ويقول مراقبون إن حالة بيغام تظهر حجم التشدد في التعاطي مع وضعيات هشة؛ مثل حالة هذه الطالبة التي حينما كانت في عمر خمس عشرة سنة قادتها الحرية التي عاشتها في بريطانيا إلى المغامرة باللحاق بداعش، لكن الدولة لم تعاملها كفتاة مغرر بها أخطأت وتراجعت، وإنما تعاملت معها على أساس أنها حالة ثقافية يمكن أن تهدد على المدى البعيد استقرار المجتمع البريطاني وأمنه، وهي في الوقت نفسه دليل على مخاطر فشل الجالية في الاندماج والتمسك بالانغلاق.
وكانت قضية بيغام موضوع جدل محتدم بين أولئك الذين يقولون إنها انضمت بإرادتها إلى جماعة إرهابية وآخرين يقولون إنها كانت طفلة عندما غادرت، أو يجب أن تحاكم عن جرائم مزعومة في بريطانيا.
ويرى المراقبون أن مشكلة المسلمين هي أعدادهم الكبيرة وتنوع خلفياتهم وعقلياتهم من الدول التي قدموا منها وعدم رسم العقلاء منهم حدودا لما يمكن ولا يمكن فعله في الغرب، من ذلك التصريحات المنسوبة إلى الإمام التونسي محجوب محجوبي الذي رحّلته فرنسا إلى بلاده.
واتُّهم محجوب محجوبي ببث مقطع فيديو وصف فيه “العلم ثلاثي الألوان”، من دون أن يحدد ما إذا كان العلم الفرنسي، بأنه “علم شيطاني”. وأوقف محجوبي الذي كان يقطن منطقة في جنوب فرنسا ثم رُحل الخميس إلى تونس حيث وصل قبيل منتصف الليل في رحلة جوية من باريس.
وكان الإمام يعيش في فرنسا منذ منتصف الثمانينات، وهو متزوج وأب لخمسة أبناء، وطالب وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان بسحب تصريح إقامته الأحد. وقال الإمام لاحقا إنها “زلة لسان”، موضحا أنه كان في الواقع ينتقد المنافسات الشديدة بين مشجعي البلدان المغاربية خلال الفعاليات الأخيرة لبطولة كأس أمم أفريقيا لكرة القدم.