كريتر نت – متابعات
رغم كل الضغوط المسلطة عليه من الداخل والخارج، بدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولاية خامسة، يحكم فيها بلده الذي يحلم بأن يعيد له مجده، غير متأثر بأصوات المعارضة ولا بضغوطات الغرب، بل هو أيضا مقتنع بمواصلة حربه ضد أوكرانيا.
وبين غزو أوكرانيا وقمع المعارضة والمواجهة مع الغرب، استهل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الثلاثاء ولايته الخامسة كقائد حربي يمسك بكلتا يديه بمقاليد الحكم التي تولاها قبل ربع قرن. وأدى بوتين اليمين الدستورية ليبدأ ولاية جديدة مدتها ست سنوات في مراسم أقامها الكرملين وقاطعتها الولايات المتحدة ودول غربية أخرى.
الرئيس الذي يحكم قبضته السياسية داخليا، في حين يخوض على الساحة الدولية مواجهة مع دول الغرب التي يتهمها باستغلال أوكرانيا كوسيلة لمحاولة هزيمة روسيا وتفكيكها، وعد شعبه بتحقيق النصر رغم إقراره بالظروف الصعبة التي تمر بها بلاده.
وقال خلال مراسم اليمين إنه من المحتمل أن يتقبل إجراء محادثات مع الغرب حول الاستقرار الإستراتيجي النووي، على أساس الندية، لكن على الغرب أن يتخذ قرارا بشأن كيفية التعامل مع روسيا.
ولم تحضر الولايات المتحدة حفل التنصيب، بعد أن قالت إنها لا تعتبر إعادة انتخابه حرة ولا نزيهة. كما قررت بريطانيا وكندا ومعظم دول الاتحاد الأوروبي مقاطعة المراسم. وقالت أوكرانيا إن المراسم تهدف إلى خلق “وهم الشرعية للبقاء في السلطة مدى الحياة تقريبا لشخص حوّل روسيا الاتحادية إلى دولة معتدية والنظام الحاكم إلى دكتاتوري”.
في مارس، حصد الرئيس الروسي أكثر من 87 في المئة من الأصوات التي تم الإدلاء بها في انتخابات جرت في غياب أي معارضة، وأدانها الغرب باعتبارها ممارسة زائفة للديمقراطية. وشهد عهد بوتين (71 عاما) في العام 2020، تعديلا دستوريا يتيح له البقاء في سدّة الحكم حتى 2036. وهو شغل منصب الرئيس لولايتين امتدت كل منهما أربعة أعوام، واثنتين كل منهما لستة أعوام، فصلت بينهما فترة كان خلالها رئيسا للوزراء.
تميز حكم بوتين، الآتي من صفوف جهاز الاستخبارات السوفيتية (كاي.جي.بي) منذ وصوله إلى الكرملين في الحادي والثلاثين من ديسمبر 1999، بسمتين رئيسيتين. المستمر مع السيطرة على طبقة الأثرياء الأوليغارش وحرب الشيشان الثانية وخنق الحريات العامة وتقييد الإعلام والمعارضة.
وتوفي منافسه الأبرز أليكسي نافالني منتصف فبراير في ظروف غامضة في سجن بالقطب الشمالي الروسي حيث كان يمضي عقوبة طويلة بتهمة “التطرف”. والسمة الثانية هي السعي إلى اكتساب سلطة جيوسياسية، من خلال الحرب في جورجيا (2008)، وضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية (2014) والتدخل العسكري في سوريا (2015) وأخيرا غزو أوكرانيا (2022).
وظن القادة الأوروبيون، ولاسيما المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، خطأ أنهم قادرون على احتواء هذه الطموحات مراهنين على الاعتماد الاقتصادي المتبادل من خلال المشتريات الضخمة من الغاز الروسي.
حياة أو موت
ويبدو بوتين راسخا في منصبه أكثر من أي وقت مضى. وما زال مقتنعا بالحرب التي تورط فيها في أوكرانيا حيث تعرّض جيشه لهزائم مذلة. فهو ما زال يصر على تحقيق النصر من خلال الاستنزاف، مراهنا على ميل الكفة لصالحه في الأشهر الأخيرة وعلى شعور حلفاء كييف بالتعب وسكان أوكرانيا بالإرهاق.
وبعد عامين على بدء الحرب، سيطرت قوات موسكو في الفترة الأخيرة على بلدة أفدييفكا، وواصلت التقدم في مواجهة قوات كييف التي تعاني نقصا في العتاد والعديد. وفي أواخر فبراير، شدد بوتين على أن “القوات المسلحة لن تتراجع ولن تفشل”، معتبرا أنها مسألة “حياة أو موت” بالنسبة إلى موسكو. وبعد انتخابه في منتصف مارس، قال إن روسيا “موحدة” أكثر من أي وقت مضى.
منذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا في فبراير عام 2022، ألقى بوتين سلسلة من الخطب التي اتهم فيها أوكرانيا بـ”النازية”، وأعلن ضمّ أجزاء من أراضيها، وصوّر النزاع على أنه حرب بالوكالة دبرها الأميركيون.
◙ الرئيس الروسي يبدو راسخا في منصبه أكثر من أي وقت مضى ومازال مقتنعا بالحرب التي تورط فيها ضد أوكرانيا
لكن لا شيء يثني بوتين عن أهدافه: لا العقوبات الغربية ولا ملاحقة المحكمة الجنائية الدولية له بتهمة ترحيل أطفال أوكرانيين، ولا خسائر الجيش. فقد وضع نصب عينيه مهمة واحدة هي التخلص من هيمنة الغرب. وفي أكتوبر 2023، أعلن أن “مهمته هي بناء عالم جديد”.
لا بد من القول إن العميل السابق لجهاز الاستخبارات السوفيتي الذي كان متمركزا في ألمانيا الشرقية في الثمانينات من القرن الماضي، ما زال متأثرا بتفكك الاتحاد السوفيتي كدلالة على هزيمة موسكو في الحرب الباردة.
ومن أجل تحقيق أهدافه، يفتخر بوتين اليوم بالدعم الدبلوماسي الذي يحصل عليه من الصين. ويشير إلى أن آسيا، وفي مقدمها الهند، تتهافت على النفط الروسي، وأن أفريقيا تعتبره حليفا ضد “الاستعمار الجديد” الغربي.
روسيا هي أيضا بالنسبة إليه حاملة لواء القيم “التقليدية” في مواجهة الانحطاط الأخلاقي للغرب وتسامحه تجاه المثليين جنسيا. وبعد فشل الهجوم المضاد الأوكراني في صيف 2023، شعر بوتين بأنه يتمتع بهامش مناورة أكبر، مع انقسام الغرب بشأن استمرار المساعدات العسكرية لأوكرانيا.
وعاد إلى الساحة الدولية فيما امتص الاقتصاد الروسي عموما صدمات العقوبات الغربية رغم التضخم والاعتماد على الإنتاج العسكري. لكن رغم قوته، لا يزال الرئيس الروسي يواجه تحديات، فهو بعيد كل البعد عن الانتصار في أوكرانيا، وقدرة الروس والنخبة والاقتصاد على الصمود في هذا النزاع على المدى الطويل تظل سؤالا مطروحا.
وكان تمرد مرتزقة فاغنر بقيادة يفغيني بريغوجين، أحد الموالين لبوتين، في يونيو، مثالا على ذلك. ومقتل قادة فاغنر في تحطم طائرة قيل إنه ناجم عن حادث، سمح للكرملين بطيّ هذه الصفحة، لكن أمورا أخرى غير متوقعة تبقى في الانتظار.
قمع مشدد
على الصعيد السياسي الداخلي، لا يتساهل الكرملين مع أي معارضة. فالمعارضون إما توفوا مثل نافالني وبوريس نمتسوف الذي اغتيل في 2015، أو يقبعون في السجون مثل ناشطين ومواطنين عاديين في السجن بسبب انتقاد حرب أوكرانيا.
مع ذلك، يظل بوتين، في نظر الغالبية من مواطنيه، الشخص الذي أعاد لروسيا عزتها بعدما قوّضها الفقر والفساد وإدمان بوريس يلتسين الكحول. وهو عندما دخل الكرملين وكان عمره 47 عاما، وعد ببناء أواصر الصداقة مع الغرب وقام بتطوير الاقتصاد مستفيدا من الأسعار المؤاتية للنفط والغاز.
الرئيسي الأميركي السابق جورج دبليو بوش وصف بوتين بأنه “شخص مميز”، وكان المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر ورئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو برلوسكوني صديقين له، وذلك رغم القمع والتجاوزات التي ارتُكبت في الشيشان.
لكن بذور القطيعة مع الغرب سرعان ما نبتت وعبر عنها بوتين عام 2007 خلال مؤتمر الأمن في ميونخ في خطاب حاد اللهجة ألقاه على مسامع كبار الشخصيات الغربية. عندها اتهم بوتين حلف شمال الأطلسي بتهديد روسيا من خلال التوسع، وانتقد الولايات المتحدة لأنها تنسب لنفسها “سيادة مطلقة” في العالم. وهي المبررات نفسها التي استخدمها لغزو أوكرانيا بعد 15 عاما من ذاك التاريخ.
أما حياته الخاصة فمحاطة بالأسرار. فقد نشأت ابنتاه بعيدا عن الأضواء مع أن إحداهما ظهرت في السنوات الأخيرة في بعض المناسبات العامة.