كتب/ د. ياسين سعيد نعمان
– في الطريق إلى جنيف ، ما الذي أبقاه الحوثيون للتفاوض بعد أن أعلنوا تمسكهم بالولاية كأساس للحكم ، وبعد أن أكدوا أن خيارهم (هذا) هو خيار القوة الذي صنعوه بالدماء والتضحيات ؟!
– هل وصلت الرسالة للجميع؟
– لا أريد أن أبدو وكأنني أبالغ في المسألة .. لكن لا بأس من أن نلفت الانتباه إلى ما أغفل من حقيقة ، عندما يتعلق الموضوع بما وراء الانقلاب على مشروع الدولة التوافقي ، والتي تم التعبير عنها مؤخراً بوضوح وبآخر ما أنتجه هذا العقل العابث من تنظيرات بشأن الولاية .
– هذه الحقيقة لا يمكن النظر إليها إلا بأنها تواصل مع تلك الميوعة من بناء الدولة الوطنية التي مارسها نظام متداخل التكوينات الاجتماعية والثقافية والسياسية والمنافعية طوال عقود من قيام النظام الجمهوري ، بعد أن أفرغ من محتواه .
– في إطار هذا النظام المائع المتداخل التكوينات ، ظل مشروع الولاية حاضراً ، يتماهى مع هذه الميوعة ، ويتغذى منها ومن فسادها . وفي ثناياه كان يجري التحرش “بالسقيفة” من باب استدعاء الصراعات في صور من التلهي تارة ، واختبار رد الفعل تارة أخرى .
– غير أن ما كان يغيب عن الوعي العام أحياناً كثيرة هو أن المتحلقين حول هذا التاريخ السياسي الصراعي بشقيه ، وبصورة لا تاريخية ، إنما كانوا يصرفون الأنظار عن أهمية بناء الدولة الحديثة المعاصرة التي توفر المواطنة والامن والاستقرار والكرامة لكل اليمنيين ، ويقيمون الحجج الواهية على مخالفتها لما استقر عليه ” الأمر” ، وهي العبارة التي كانت تفتح المسالك الى العنف المتبادل حينما لا نجد تفسيراً واضحاً لمعنى ذلك “الأمر” .
– يذهب أحد المفكرين إلى أن كل “إنسان يحمل داخله قطعة صغيرة من التاريخ” ، إلا أن هؤلاء صادروا التاريخ ولم يتركوا للانسان ما يبقيه على صلة بالتاريخ الحقيقي أو ما يشعره بالإنتماء إليه . لقنوه تاريخاً صدامياً مشوهاً حسب ما تمليه رغباتهم في إحتكار الحكم .
– عندما انتبه اليمنيون الى الخديعة التي مورست عليهم بإغراقهم في أوابد من التاريخ السياسي الصراعي وأنها من صناعة الانسان ، وأن لها ما لها وعليها ما عليها بحساب الزمن الذي فكر فيه أناس ذلك الزمان (رضوان الله) عليهم في مطلعه، وعملوا جهدهم على أن يخرجوا من المحنة بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام ، وانقطاع الوحي ، وما تبعه بعد ذلك من صراع دموي مرير على الحكم ، كان لا بد من “سقيفة” أخرى يستدل فيها اليمنيون بروح الفكرة ذاتها في التشاور ولكن بمضامين ومتطلبات وحاجات العصر ، وبما يسمح للجميع بعرض أفكارهم عن الدولة والاستماع إلى الآخر ، ثم التوافق على الأصلح . وهو ما تم في مؤتمر الحوار كأهم تجربة خاضها اليمنيون لتجاوز “فتنة” الحكم .
– لكن ، يتكرر المشهد من قبل البعض ، فيما يبدو أن المشكلة ليست أكثر من استدعاء لمشكل تاريخي لدعم نزوع شيطاني لإحتكار السلطة ، لم يجد أصحاب هذا النزوع ما يسند مغامرتهم غير إيقاظ الفتنة من مرقدها ، على الرغم من أن من يتحدثون باسمه كان أكثر الناس تمسكاً بوحدة المسلمين وأشدهم دعوة للسلم وحقن الدماء .
– اليوم يذهب الجميع إلى جنيف في جولة من مفاوضات جديدة ، وهو أمر من الممكن أن يبنى عليه الشيء الكثير باعتباره خطوة نحو فتح آفاق لتفاهمات تتعلق ببناء الدولة ، ولكن يا ترى مالذي سيتضمنه تعزيز المسار على هذا الطريق وقد أغلق الحوثيون باب التفاهم بإعلان تمسكهم بالولاية قبل جنيف بأيام قليلة ؟
– وعلى ذلك هل ستمضي هذه الدورة من المشاورات في بحث مشروع الولاية والنظر في إمكانية الأخذ به كسبيل لحل المشكلة ، أم في إقناع الحوثيين بأن موضوع “الولاية” أمر لا أساس له من أصله ، أو أنه ذو أصل ولكن عفى عليه الزمن ، أم أن إدعاءهم الميراث أمر مشكوك فيه وعليهم إثباته … وإذا لم يتوصلا إلى حل لهذا الإشكال فهل سيكون تعزيز الثقة بواسطة “البينة على من ادعى واليمين على من أنكر”؟
– والله إنني لا أراها غير تجربة أخرى “ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب” يجري تجريعها شعباً سلب خيار الحياة مع الكلمة ، ومطلوب منه أن يختار الموت بصمت .
– لا خيار غير مكاشفة مقترف الخطأ ، والإعتراف بأن “سقيفة” اليمنيين رقم ٢ هي الحل ، بدلاً من الغمغمة التي يكبر معها الخطأ ويفرض إرادته . اللهم اشهد .