كريتر نت / واشنطن
وجّهت الإدارة الأميركية مباحثات كبار مسؤوليها مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني خلال زيارته الأخيرة لواشنطن، بعيدا عن موضوع مقاطعة الرياض وأبوظبي والقاهرة والمنامة للدوحة. وبدلا من إعطائه الوعود المأمولة بالعمل على حلحلة ملف المقاطعة، ركّزت بالكامل على تحصيل مكاسب مادية واضحة والحصول على أكبر قدر ممكن من أموال الغاز القطري.
واعتبر متابعون للشأن الخليجي أنّ زيارة الشيخ تميم للولايات المتحدة جاءت محبطة للقيادة القطرية، بالنظر إلى أن نتائجها صبّت في اتجاه واحد وهو المصلحة الأميركية دون أن يحصل الجانب القطري على أي مكسب يذكر، عدا بعض عبارات المجاملة من الرئيس دونالد ترامب وعدد من المسؤولين في إدارته، هذا دون اعتبار بعض الإيحاءات السلبية في عبارات ترامب الموجّهة للشيخ تميم والتي يفهم منها أنّ مدار العلاقة بين واشنطن والدوحة هو مجرّد استحصال الأموال القطرية بعيدا عن “الشراكة” التي تقول قطر إنّها تقيمها مع الولايات المتحدة.
وبخطابه المباشر المعهود الموجّه بالدرجة الأولى لناخبيه أكثر من توجهه لضيفه القطري، عدّد ترامب المكاسب الكبيرة التي جناها من قطر مذكّرا بأنّ الأخيرة أنشأت “واحدة من أعظم القواعد العسكرية بالعالم”، في إشارة إلى قاعدة العُديد قرب الدوحة، ومشيرا إلى أنّ قطر أنفقت نحو 8 مليارات دولار لبناء وتطوير القاعدة الضخمة التي تُؤوي الآلاف من الجنود الأميركيين وتحوي مقر القيادة المركزية الأميركية المشرفة على الأعمال العسكرية للولايات المتحدة في سوريا واليمن والعراق وأفغانستان، وهي مركز أساسي لانطلاق عمليات الولايات المتحدة الجوية في الشرق الأوسط.
وقال للشيخ تميم بحضور وزير المالية الأميركي ستيفن منوتشين “حسبما أفهم تمّ توسيع القاعدة باستثمار ثمانية مليارات دولار، والحمد لله كانت أغلبها من أموالكم وليست من أموالنا.. وفي الحقيقة، الأمر أفضل من ذلك، حيث كانت كلها من أموالكم”.
كما رحّب ترامب باستثمارات قطر في بلاده، وقال إنها من بين الأكبر في العالم، وموضع تقدير كبير في واشنطن، مشيرا إلى عزم الدوحة عقد صفقة لشراء طائرات من شركة بوينغ الأميركية، ولافتا إلى أنّ الصفقة ستوفّر الكثير من فرص العمل بالولايات المتحدة.
واضطر أمير قطر لمسايرة مضيّفه ترامب في توجيه المحادثات نحو موضوع الأموال والصفقات المفضّل لديه، معلنا عن تجاوز حجم الشراكة الاقتصادية لبلاده مع الولايات المتحدة مبلغ 185 مليار دولار وأن العمل جار لمضاعفة هذا الرقم، وأنّ الدوحة تخطط لضخ المزيد من الاستثمارات في البنية التحتية الأميركية.
وذكّر أمير قطر بأنّ أموال بلاده ساهمت في خلق أكثر من نصف مليون موطن شغل للأميركيين في بلادهم، ولفت انتباه الملاحظين بإشارته إلى الاختلال الكبير في الميزان التجاري بين قطر والولايات المتحدة لمصلحة الأخيرة، وهو معطى لا يمثّل في العادة مصدر اعتزاز لأي من قادة الدول الذين لا يأتون على ذكره إلاّ على سبيل التنبيه إليه والتذكير بوجوب العمل على معالجته، وهو ما لم يشر إليه الشيخ تميم الذي بدا على العكس من ذلك مرتاحا للأمر بما أنّه يمثّل مكسبا لترامب.
كذلك لم تخرج محادثات الشيخ تميم مع القائم بأعمال وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر عن سياق المصلحة الأميركية المطلقة حيث اعتبر الوزير الأميركي أنّ “استعداد قطر لاستضافة القوات الأميركية لمدة طويلة يرمز للروابط الوثيقة بين البلدين”، مؤكّدا على أهمية هذه القوات “لدعم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط”.
ولاحظ مراقبون بروز موضوع قاعدة العُديد في محادثات ترامب وباقي المسؤولين الأميركيين مع أمير قطر، رغم حساسية الموضوع بالنسبة إليه وتفضيل الدوحة الإبقاء عليه في خانة المسكوت عنه بعيدا عن النقاش العلني.
ومأتى حساسية موضوع العُديد، بحسب محلّلي الشؤون الاستراتيجية، أنّ القاعدة أساسية في مراقبة إيران عن قرب وفي تنفيذ أي عمل عسكري محتمل ضدّها أو ضدّ أي من أذرعها وميليشياتها في المنطقة في حال تطوّرت موجة التصعيد الحالية إلى مواجهة عسكرية، لتجد الدوحة بذلك نفسها مرغمة على أن تكون منطلقا لضرب الدولة التي حرصت على بناء علاقات متينة معها واتخاذها “حليفا” إلى جانب تركيا في مواجهة الدول العربية المطالبة بتغيير السلوك القطري في دعم الإرهاب والتشدّد.
ولا تخلو إثارة موضوع العديد من قبل المسؤولين الأميركيين في حضور أمير قطر، أيضا من رسالة لإيران بأن “حليفتها” قطر لا تمتلك زمام قرارها ولا يمكنها بالتالي التعويل عليها حين يجدّ الجدّ وتضطرّ الدوحة لتحديد معسكرها بوضوح بعيدا عن سياسة مسك العصا من وسطها ولعب الأدوار المزدوجة التي تحاول القيادة القطرية لعبها دون إمكانية للتمادي فيها إلى ما لا نهاية.