كريتر : تقرير
قطع آلاف الانفصاليين الكاتالونيين الاثنين طريق قطار سريع، وعددا من الطرق السريعة والشوارع في برشلونة، في الذكرى الأولى لاستفتاء تقرير المصير الذي حظرته مدريد.
وبثت محطات التلفزة مشاهد لنشطاء في مجموعة “لجان الدفاع عن الجمهورية” التي تطالب بالانفصال عن مدريد ينتشرون على سكة القطار ويقطعون الطرقات، فيما أكدت إدارة شبكات الطرق قطع طريق سريع يربط بين برشلونة وبلنسية وآخر بين برشلونة ومدريد.
وتاتي تظاهرات اليوم عقب مناوشات بين أفراد الشرطة الذين خرجوا في مسيرة ومظاهرة مضادة في مدينة برشلونة امس الاول ، مع قرب حلول الذكرى الأولى لاستفتاء استقلال إقليم كتالونيا عن إسبانيا.
وأثارت المسيرة التي ضمت نحو 3 آلاف رجل شرطة، غضب النشطاء المؤيدين للانفصال والذين خرجوا بدورهم في مظاهرة مضادة شارك فيها نحو 6 آلاف شخص، حسب تقديرات سلطات المدينة.
ونشبت مناوشات بين مجموعتي المتظاهرين، فيما حذرت الشرطة الانفصاليين عدة مرات بعد محاولتهم تجاوز طوق أمني وإلقاء الأصباغ ومقذوفات باتجاه عناصرها.
وأعلنت السلطات الطبية في المدينة إصابة 24 متظاهرا في المناوشات، وتوقيف ستة أشخاص آخرين.
ويطالب عناصر الشرطة الوطنية والحرس المدني، اللذين تمولهما الحكومة المركزية في مدريد، بجعل رواتبهما تتماشى مع أفراد الشرطة في إقليمي كتالونيا والباسك، الذين يتلقون مرتبا إضافيا.
وصوت نحو 90 بالمئة بـ”نعم” من المشاركين في استفتاء نظمته حكومة كتالونيا السابقة بقيادة كارليس بوتشيمون في الأول من أكتوبر 2017.
ثم صوت برلمان الإقليم على إعلان الاستقلال، ما دفع بمدريد إلى إقالة حكومة كتالونيا وفرض الحكم المباشر على الإقليم.
رغبة اقليم كتلونيا في الانفصال لم تكن جديدة ففي عام 2006 م أقر قانون جديد للحكم الذاتي واستفتي عليه الشعب، وذلك من أجل توسيع صلاحيات الحكم الذاتي، وتصدر القانون تعريف كتالونيا بأنها أمة. وفي 2010 قامت المحكمة الدستورية الإسبانية بإلغاء هذا القانون فأدى إلى تظاهرات تحت شعار “نحن أمة، نحن من يقرر”. وفي تشرين الثاني عام 2012 أجري استفتاء رمزي شارك فيه 37% من مواطني الإقليم وصوتوا لصالح الاستقلال عن الدولة الإسبانية. وفي كانون الثاني عام 2015 أعلن رئيس حكومة كتالونيا أرتور ماس عن إجراء انتخابات مبكرة ذات طابع استفتائي في أيلول من العام نفسه، وقد جرت الانتخابات المبكرة وفاز التيار القومي الذي ينادي بالانفصال بأغلبية تمثلت في 72 مقعداً مقابل 63 لصالح الأحزاب الرافضة للاستقلال، وتمكنت الأغلبية البرلمانية في تشرين الثاني 2015 من إصدار قانون يعلن بدء “عملية تأسيس الدولة الكتالونية المستقلة”، وتقدمت الحكومة الإسبانية إلى المحكمة الدستورية للطعن في هذا القانون وقبلت المحكمة الطعن.
وفي 2017/6/9م، حيث أخذت هذه التحركات منحى أشدّ وأقوى، أعلن رئيس حكومة إقليم كتالونيا كارلس يوم 2017/6/9 أن “استفتاء عاما حول استقلال الإقليم عن إسبانيا سيجري يوم 2017/10/1 وأن الحكومة ستطرح في هذا الاستفتاء السؤال التالي: “هل تريدون أن تصبح كتالونيا (دولة) مستقلة بنظام الحكم الجمهوري؟” (نوفستي 2017/6/9). وفي اليوم التالي أعلنت الحكومة الإسبانية أنها ستعرقل أية محاولة لاستقلال كتالونيا. وفي 2017/9/6 أقر البرلمان الكتالوني قانونا يحدد فيه أسس الاستفتاء على الاستقلال للإقليم عن الدولة الإسبانية، فرد رئيس وزراء إسبانيا ماريانو راخوي قائلا: “إن الحكومة الإسبانية قد تستخدم الصلاحيات الدستورية لتعليق الحكم الذاتي في كتالونيا ومنع استقلال الإقليم عن إسبانيا” وردَّت المحكمة الدستورية الإسبانية في 2017/9/8 بوقف الاستفتاء حتى البت في دستوريته.
ومع ذلك فقد جرى الاستفتاء في موعده يوم 2017/10/1 فكانت النتيجة أن 90% من المقترعين “الذين بلغت نسبتهم 43% من السكان” يريدون الانفصال عن إسبانيا والاستقلال. فألقى ملك إسبانيا فليبي السادس خطابا يوم 2017/10/3 عقب إجراء الاستفتاء واصفا إياه بأنه “غير قانوني وغير ديمقراطي”، ولكن حاكم الإقليم قال: “إنه سيعلن الاستقلال نهاية هذا الأسبوع أو بداية الأسبوع المقبل”، وقال: “إن الملك رفض أداء دور الحكم الوسيط المهدئ للأمور الذي يمنحه له الدستور الإسباني” (بي بي سي 2017/10/3) ويظهر أن إسبانيا أصبحت محرجة، فلم تقدر أن تمنع عملية الاستفتاء وقامت بأعمال عرقلة مما أدى إلى جرح 893 شخصا جراء الصدامات بين قوات الأمن والمقترعين، مما أثار الرأي العام ضدها، ولهذا صارت تبحث عن سبل أخرى لعرقلة إعلان الاستقلال، فبدأت تستعمل الحرب الاقتصادية ضد الإقليم، حيث أعلنت شركات ومؤسسات مالية كبرى عن الخروج من كتالونيا حيث قرر ثالث أكبر بنك إسباني “كايشابنك” يوم 2017/10/6 نقل مقره من برشلونة عاصمة كتالونيا إلى خارجها. وأنزلت إسبانيا يوم 2017/10/8 إلى الشوارع مئات الآلاف في برشلونة من المناهضين للاستقلال لتوجد زخما شعبيا معارضا داخل كتالونيا.
وأعلن رئيس إقليم كتالونيا كارلس يوم 2017/10/10م أمام برلمان الإقليم الاستقلال ولكنه أرجأ تطبيقه فقال: “أقبل التفويض بضرورة أن تصبح كتالونيا دولة مستقلة في صورة جمهورية، أقترح إرجاء آثار إعلان الاستقلال لإجراء محادثات بهدف التوصل إلى حل متفق عليه”. ولكنه لم يصل إلى حد دعم صريح من البرلمان لإعلان الاستقلال. (يورو نيوز، رويترز 2017/10/10) فمعنى ذلك أنه أراد ألا يحرج نفسه بإعلان الانفصال نهائياً، لأنه يعلم أن تحقيق ذلك ليس سهلا، وترك الباب موارباً حتى يقوم بالتفاوض مع الدولة الإسبانية ويتفادى التصادم معها. وبذلك يبقى الإقليم ضمن إسبانيا، ولكن تبقى مشكلة الإقليم حية وتُنغِّص على إسبانيا وعلى الاتحاد الأوروبي، إلى أن تتهيأ الظروف ويتمكن من تحقيق الاستقلال.
دخلت إسبانيا في أزمة سياسية عميقة على خلفيةاستفتاء إقليم كتالونيا وما أعقبه من تداعيات وتطورات، من أهمها إعلان استقلال الإقليم من طرف واحد، ورفض الحكومة الإسبانية القرار واتخاذها إجراءات صارمة لإفشال مساعي الانفصال وملاحقة المسؤولين عنه قضائيا.
ويعد اقليم كتالونيا من أغنى الأقاليم الإسبانية البالغ عددها 17 يتمتع بحكم ذاتي موسع الصلاحيات، لكنه يطالب بالانفصال عن إسبانيا منذ عقود طويلة، غير أن الحكومات الإسبانية المتعاقبة في مدريد وقفت له بالمرصاد، مستندة على دستور عام 1978 الذي ينص على “وحدة الأمة الإسبانية التي لا تنفصم”، و”يضمن ويعترف بحق الحكم الذاتي للقوميات والأقاليم التي تتكون منها إسبانيا”.
وتجددت رغبة الانفصال عام 2010 عندما ألغت المحكمة الدستورية جزءا من قانون الحكم الذاتي الجديد الذي أقره مواطنو كتالونيا في استفتاء شعبي في يونيو/حزيران 2006، ويقضي بتوسيع صلاحيات الحكم الذاتي المالية للإقليم، حيث تظاهر وقتها آلاف الكتالونيين غاضبين “نحن أمة.. نحن الذين نقرر”.
مع العلم أن الدستور الإسباني لا يعترف بشعب كتالونيا أمة منفصلة عن الشعب الإسباني.
وتحت ضغط التيار القومي أجري استفتاء رمزي في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، شارك فيه نحو 37% من مواطني الإقليم (كان أغلبهم من القوميين)، وصوَّتت الأغلبية الساحقة منهم لصالح خيار الاستقلال عن إسبانيا.
وبعد سلسلة من الصراعات السياسية والقضائية بين سلطات كتالونيا والسلطات في مدريد، تمسك الإقليم بإجراء استفتاء الانفصال في 1 أكتوبر/تشرين الأول 2017، باعتباره خطوة مشروعة رغم أن المحكمة العليا الإسبانية حظرت قانون الاستفتاء الذي أقره برلمان الإقليم، بحجة أنه يخرق الدستور.
واستندت حكومة الإقليم في تحديها لمدريد على التأييد الواسع الذي تلقاه القوى القومية بكتالونيا، وفي طليعتها طلبة الجامعات وغيرهم من أبناء الإقليم الذين تظاهروا مرات دعما للاستفتاء.
يقع الإقليم شمال شرق إسبانيا وتبلغ مساحته 32,1 ألف كيلو متر مربع أي 8% من مساحة إسبانيا، وعاصمته برشلونة، ويضم أربع مقاطعات هي برشلونة وجرندة ولاردة وطرخونة، وعدد سكانه 7,5 مليون نسمة أي حوالي 16% من سكان إسبانيا التي تتكون من 17 إقليماً يتمتع بحكم ذاتي في البلاد.
وقد أضاء الإسلام كتالونيا اعتباراً من عام 95هـ أثناء الفتوحات الإسلامية للأندلس، فلما انتهى الحكم الإسلامي استمر الإقليم كياناً مستقلاً، ثم ضمته إسبانيا إليها قسراً عام 1714م ولم يرض شعب الإقليم عن ذلك، وبقي يناضل للتخلص من الاحتلال الإسباني… ودارت حرب أهلية في ثلاثينات القرن الماضي بين الحكومة المركزية وحليفتها كتالونيا ذات الحكم الذاتي كطرف، وبين جيش فرانكو كطرف آخر، وبعد انتصار الأخير قام بالتنكيل بالكتالونيين، ومنع لغتهم من أن تكون لغة رسمية في الإقليم ومنع تدريسها في المدارس وأنكر الهوية الكتالونية. وبعد سقوط نظام القمع بقيادة فرانكو نُظِّم استفتاء شعبي صوَّت الشعب فيه بنسبة 30% لصالح الدستور الإسباني الذي ينص على وحدة البلاد وحق الحكم الذاتي للقوميات والأقليات والأقاليم التي تتكون منها إسبانيا. وفي عام 1979م حصل الشعب الكتالوني مرة أخرى على حق الحكم الذاتي، وترتب عليه الاعتراف باللغتين الإسبانية والكتالونية كلغتين رسميتين في الإقليم… بعد ذلك هدأت الحركة الانفصالية الكتالونية إلى أوائل هذا القرن حيث بدأت التحركات تتصاعد بالتدريج.