كتب : علي الأمين
كاتب لبناني
لم يسبق ان تحول مناصري “الثنائي الشيعي” الحليف الى الأخوة الأعداء( الأعدقاء)، منذ نهاية حمام الدم في حرب إقليم التفاح التي أشعلها تمدد نفوذ “حزب الله” ومحاولته تغيير وجه الشيعة من لبناني الى إيراني، والتي يُسجل لرئيسها الرئيس نبيه بري انه أول من إستشعر بهذا الخطر وانتفض للحد منه رغم انها كلفت حرباً استغرقت على مدار سنتين بين عامي ٨٨ و ٩٠، و ذهب ضحيتها عشرات القتلى والجرحى من أبناء “الشيعة المظلومين” من “حزب الله” وحركة “أمل” قبل المصالحة الشهيرة. غير ان مسار الأمور منذ ذلك الوقت لم يكن مستتباً بالكامل، فالنار خامدة تحت الرماد، سرعان ما بشعلها إشكال من هنا واحتفال من هناك، الا ان تغير المشهد كليا في مناسبة تعليق صور يافطات مع بداية ذكرى عاشوراء، فأهرق “حزب الله” دماء “أمل” بفعل “القلوب المليانة” التي انفجرت سريعا ليستعيد صورة من حرب “السنتين الشيعية”. يترقب اهالي القتيل حسين خليل في بلدة اللوبيا ما ستصدره المحكمة العسكرية، بشأن العنصرين من “حزب الله” اللذين يشتبه بأنّ احدهما كان وراء قتل المغدور الذي ينتمي الى حركة أمل، والذي كان اصيب منتصف الاسبوع الماضي في بلدته على اثر خلاف بين انصار التنظيمين المتحالفين، نشأ بسبب خلاف على تعليق اعلام ويافطات بمناسبة ذكرى عاشوراء، وغداة خطاب امين عام “حزب الله” الذي دعا الى رفع الاعلام واليافطات في الاملاك العامة والخاصة في هذه المناسبة. واللوبيا بلدة تقع ضمن قضاء الزهراني وهي المنطقة الوحيدة في الجنوب التي يمكن الحديث فيها عن نفوذ لحركة أمل يتجاوز نفوذ “حزب الله” او يوازيه، بخلاف مناطق الجنوب الأخرى التي رسى النفوذ الغالب لحزب الله على حساب “الحركة” وكشفت الانتخابات النيابية هذا الواقع من خلال التباين الواسع بين اصوات مرشحي الطرفين، والتي كشفت عن تفوق جلي لمرشحي الحزب من حيث عدد الاصوات. لم يسبق في الربع القرن الأخير ان تم تناول امين عام “حزب الله” من قبل مناصري “أمل” وبشكل علني، كما فعل اهالي بلدة اللوبيا اثناء تشييع ابن بلدتهم الى مثواه الأخير، وهذا ربما ما استدعى قيادة الحركة الى ادانة هذه الشعارات المنددة بنصرالله، وهو ما دفع بالمقابل بعض مناصري “أمل” الى القول أن “حزب الله” لم يصدر حتى بيانا يدين الجريمة او يعزي أهل المغدور، وبقي صامتا من دون اي موقف يوازي الجريمة، ويتصدى لتداعياتها. سلم “حزب الله” عنصران للمحكمة العسكرية، من دون ان تتضح اسباب تسليمهما لهذه المحكمة، سوى ما يشاع عن ان سطوة الحزب على هذه المحكمة هي ما يفسر هذا التصرف، علما ان الجريمة حصلت بين اطراف لا ينتمون الى السلك العسكري، ولا الجريمة من الجرائم الارهابية، وبالتالي فهي جرت بين مدنيين وان كانوا ينتمون لأحزاب لبنانية. في الرد الفعل الأولي بعد الجريمة، جرت تهديدات مباشرة من قبل بعض ابناء عائلة المغدور خليل لأهالي المشتبه بهما باطلاق النار الذي ادى الى مقتله، وتم الاعتداء على بعض البيوت التي تعود لعائلة المشتبه به، وفي هذا السياق ينقل مقربون من عائلة المغدور في اللوبيا، الى أن المشتبه به اعترف باطلاق النار والقتل، علماً ان مصادر متابعة “للحادث الخطير” في قضاء الزهراني، تشير الى ان المغدور قتل برصاصة مسدس، وليس برصاص بندقية حربية، وتضيف ان احد الموقوفين في المحكمة العسكرية كان بحوزته مسدس يرجح انه وراء تنفيذ الجريمة. الأحاديث والانفعالات والتهديد والوعيد، على لسان حال رفاق خليل وابناء بلدته وعائلته، واجواء التوتر انتقلت الى اكثر من بلدة، بموازاة جهود تبذل من قبل طرفي الثنائية الشيعية، لمنع تمدد التوتر ومحاصرته. وفي هذا السياق تجري اتصالات لايجاد مخرج لهذه القضية المحرجة، ذلك ان “حزب الله” لم يسبق ان كان عرضة لأن يكون احد عناصره في يد القضاء ومتهم في قضية قتل، وهي جريمة وقعت داخل البيئة الشيعية، اي ان معالجتها من خلال المحكمة العسكرية غير كافية اذا لم يقتنع اهالي المغدور وحركة “امل” بأي مخرج لا يحظى بأدلة دامغة تدين القاتل، سيما ان لا اطراف سياسية او امنية كانت موجودة اثناء المواجهة التي ادت الى مقتل خليل، باستثناء عناصر حركة “امل” و “حزب الله”، وهي بالطبع اعقد من قضة مقتل الطيار سامر حنا قبل نحو عشر سنوات، التي امكن للحزب معالجتها، من خلال الدوائر القضائية والعسكرية. وفي هذا السياق بدأت محاولات تسريب اخبار ومعلومات لم تلق استجابة من اهل المغدور، بالقول ان طلقا ناريا من طرف ثالث ومجهول، ادى الى مقتل خليل، اي ان عناصر “حزب الله” ليسو هم من نفذوا عملية اطلاق النار المشؤومة.
واللافت في سياق رصد التداعيات لما جرى في منطقة الزهراني، قيام بعض مناصري حركة “امل” باستحضار صور قيادات امل الذين تم اغتيالهم (اواخر الثمانينات) من قبل “حزب الله” كما تزعم حركة امل، اي داوود دوود ومحمود فقيه وابو حسن سبيتي، وضموا اليهم صورة حسين فقيه، ويمكن ملاحظة العديد من الشعارات والمواقف المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي، التي تظهر حجم الغضب من “حزب الله” بسبب هذه الجريمة. التوتر على مستوى الشارع لم يتراجع، وحمل السلاح بشكل علني وامام القوى الامنية والعسكرية الرسمية مستمر، فيما يظهر بشكل واضح ان المعالجات تتم على مستوى حزبي، في وقت تتنامى مظاهر الغضب لدى مناصري “أمل”، خصوصا أن بعضهم بات يتحدث بصوت عال عن ان وراء ما جرى رسالة سياسية مفادها انه هو الذي يمسك بالشارع، وحتى في ما تبقى من مناطق نفوذ حركة أمل، وهي رسالة استباقية تستهدف اي محاولة للخروج عن سطوة الحزب وسيطرته، والتي يشكل تعليق الاعلام واليافطات عنصر سيطرة واستقواء، ووسيلة لاستعراض القوة، لاسيما بعدما جعل منها امين عام “حزب الله” بمثابة مهمة الهية، الغاية منها توجيه رسالة الى كل اللبنانيين والى داخل البيئة الشيعية، مفادها ان كلمة “حزب الله” هي العليا.
* نقلا عن “جنوبية”