كريتر نت – العرب
توسعت حرب القيادة السعودية على الفساد والمستفيدين منه إلى ملف الحرب في اليمن، وهو ما عكسته القرارات التي أعلن عنها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، مساء الاثنين، والتي أفضت إلى إقالات على مستوى عال.
يأتي هذا في الوقت الذي تستعد فيه الحكومة اليمنية لإحداث إقالات نوعية داخل أجهزتها تطيح بقيادة الملف العسكري وعلى رأسها نائب الرئيس علي محسن الأحمر.
وتضمنت القرارات الملكية إنهاء خدمة الفريق فهد بن تركي بن عبدالعزيز آل سعود قائد القوات المشتركة (المسؤول العسكري الأول عن ملف الحرب في اليمن في التحالف العربي) وإحالته على التقاعد والتحقيق، وتكليف الفريق الركن مطلق بن سالم بن مطلق الأزيمع نائب رئيس هيئة الأركان العامة بالقيام بعمل قائد القوات المشتركة.
كما تم إعفاء الأمير عبدالعزيز بن فهد بن تركي بن عبدالعزيز آل سعود نائب أمير منطقة الجوف (نجل قائد القوات المشتركة السعودية) من منصبه وإحالته على التحقيق، إلى جانب عدد من المسؤولين العسكريين والمدنيين في وزارة الدفاع السعودية، بتهمة الفساد.
ونص القرار الملكي على تولي هيئة الرقابة ومكافحة الفساد السعودية استكمال إجراءات التحقيق مع كل من له علاقة بالتهم الموجهة للمحالين على التحقيق، وهو ما يرجّح احتمال توسع دائرة المتورطين في قضايا الفساد في ملف حرب اليمن، بمن في ذلك بعض المسؤولين اليمنيين الذين تربطهم صلة مباشرة بالملف ويتم عبرهم إيصال دعم التحالف.
وتشير المعطيات الأولية حول طبيعة القرارات التي صدرت عن العاهل السعودي بموجب رفع من نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان (كما جاء في ديباجة القرار) إلى ارتباطها المباشر بحملة الإصلاحات الداخلية التي يقوم بها ولي العهد السعودي والتي اشتملت على إجراءات جريئة لتفكيك مراكز القوى وشبكات الفساد داخل الحكومة السعودية، إضافة إلى الارتباط المباشر لهذه الإجراءات بنتائج الحرب في اليمن خلال السنوات الماضية، وتعثر مسار الحسم العسكري، وسقوط محافظات ومناطق عسكرية يمنية محررة، واستمرار الميليشيات الحوثية في تعزيز قدراتها الهجومية من خلال الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة.
وإلى جانب توجيه أصابع الاتهام لبعض الأجندات السياسية التي تسببت في تعثر الملف العسكري، يلقي خبراء بالمسؤولية على سوء إدارة الملف واستشراء الفساد المالي وخصوصا في الجانب اليمني على مجريات الحرب اليمنية التي بلغت عامها السادس.
وكشفت ثلاثة مصادر سياسية يمنية لـ”العرب” عن قرارات وشيكة سيصدرها الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي تشمل إقالة عدد من المسؤولين عن إدارة الملف العسكري في الحكومة اليمنية.
وأشارت المصادر إلى أن هذه القرارات ستطال نائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر المسؤول الأول عن الملف العسكري منذ اندلاع الحرب في مارس 2015، حيث سيتم تعيين نائب أو نائبين توافقيين بدلا عن الأحمر الذي يتهم عادة بأنه المسؤول المباشر عن الفشل في إدارة الملف وسقوط محافظات ومناطق عسكرية في أيدي الميليشيات الحوثية.
كما تشير المصادر إلى أنه سيتم إقالة وزير الدفاع الحالي محمد علي المقدشي، وتعيين رئيس هيئة الأركان العامة صغير بن عزيز بدلا عنه.
وقالت مصادر “العرب” إن القرارات المرتقبة في “الشرعية” اليمنية، تأتي في سياق مراجعات شاملة أجراها التحالف العربي حول أسباب تعثر المسار العسكري خلال السنوات الأخيرة، والتوصل إلى نتيجة بضرورة إحداث تغييرات شاملة للقيادات المسؤولة عن هذا الفشل في جانبي التحالف والشرعية على حد سواء.
وتؤكد المصادر أن الفترة المقبلة ستشهد تحولا نوعيا في طريقة إدارة الملف العسكري سواء من قبل التحالف العربي بقيادة السعودية، أو داخل الحكومة اليمنية الجديدة التي سيتم تشكيلها بموجب اتفاق الرياض الموقع بين “الشرعية” والمجلس الانتقالي.
وسيترافق تنفيذ الاتفاق مع إجراء عمليات تغيير واسعة في مفاصل المؤسسة العسكرية تفضي إلى التخفيف من هيمنة جماعة الإخوان على هذا الملف، في ظل مؤشرات على تواطؤ قيادات عسكرية يمنية مع المشروع القطري في اليمن الذي يسعى إلى تسليم المحافظات الشمالية للحوثيين.
وكانت قيادة التحالف العربي كلفت علي محسن الأحمر بتأسيس جيش يمني لقيادة العمليات على الأرض. وخلال السنوات الست الماضية علق الجميع آمالهم على هذا الجيش لاستعادة المحافظات المحتلة من قبل الميليشيات، لكن شيئا من ذلك لم يحدث.
ويقول الباحث السياسي السعودي علي عريشي إنه بالرغم من الدعم المالي السخي والسلاح الحديث المقدم من التحالف “تبين أن (ما نسبته) 70 في المئة من الجيش اليمني كان وهميًّا وأن جهود التحالف العربي وأمواله تذهب في الكثير من جوانبها أدراج الرياح”.
وأضاف عريشي في تصريح خاص بـ”العرب” أن “حالة الفساد المالي الكبير والتكتل الحزبي الواضح في قيادة الجيش اليمني انعكسا على واقع المعركة على الأرض، ولاسيما أن عداء هذا الجيش تحوّل إلى دولة الإمارات، الحليف الإستراتيجي للمملكة في اليمن، وتوجهت بندقيته باتجاه الجنوب”.
ولفت عريشي إلى أن إقالة قائد القوات المشتركة الأمير فهد بن تركي تلقي بحجر كبير في المياه الراكدة لواقع الفساد المترهل في القوات المشتركة وضمن السياق التصحيحي للأخطاء التي ولا شك كانت هي السبب الرئيسي في تأخر النصر.
وتأتي التطورات على الصعيد العسكري مع تطورات موازية على الصعيد السياسي، حيث كشفت مصادر “العرب” عن تحول مرتقب في خارطة التحالفات والنفوذ ستشهدها الأيام القليلة القادمة، تتسق مع حالة التقارب في الرؤى السياسية والعسكرية وطريقة إدارة ملف الصراع مع الحوثيين بين المجلس الانتقالي الجنوبي والتحالف العربي، وهو الأمر الذي قد ينعكس على طريقة تعاطي قيادة التحالف مع تجاوزات مكونات يمنية عملت خلال الفترة السابقة على ارباك المعركة من داخل مؤسسات الشرعية، وإشعال فتيل الصراع داخل المعسكر المناهض للمشروع الإيراني والقطري في اليمن.
ووفقا للمعطيات من المرجح أن تخسر رموز ما يعرف بتيار الدوحة في الحكومة اليمنية خلال المرحلة القادمة الكثير من أوراق الابتزاز والضغط التي كانت تمارسها، بعد أن يتم تحجيم ادواتها في المعركة مع الحوثيين، وخسارة هذا التيار لعوامل قوته،بعد خسارة أو تسليم مناطق نفوذه مثل الجوف ونهم للحوثيين.
واعتبر مراقبون سياسيون اقدام التحالف العربي بقيادة السعودية على تحركات عسكرية تأخر بعضها، مثل تأمين منفذ شحن الحدودي مع سلطنة عمان وتزويده بجهاز كشف بالأشعة للشاحنات، وتأمين ميناء ميدي في البحر الأحمر وعدد من الجزر اليمنية قبالة الميناء، بعد ورود تقارير عن مخطط من قبل بعض العناصر الموالية للإخوان في الميناء لتسليم هذه المناطق الاستراتيجية للميليشيات الحوثية ردا على أي قرارات مرتقبة لإقالة ضباط ومسؤولين عسكريين محسوبين على الجماعة، كلها مؤشرات على طبيعة التوجهات الجديدة لقيادة التحالف نحو حسم الملفات العالقة والتعامل بحزم مع أجندة قطر وتركيا وإيران التي تدار عبر وكلاء محليين من داخل مؤسسات الشرعية وخارجها.