كتب : احمد حرمل
مثل تشكيل المجلس الانتقالي تطور نوعي لحراك كمي وكان تشكيله نتاج طبيعي لارهاصات سبقته ، وكلنا يدرك بأن تشكيل المجلس جاء في ظروف غاية في الصعوبة والتعقيد إلا أنه كان من وجهة نظري الابن الشرعي للمقاومة الجنوبية التي خاضت حرب التحرير من مليشيات الحوثي وحرب التطهير من داعش والقاعدة ، وخرجت منتصرة وأكثر قوة ، ولكي تحافظ على انتصارها وقوتها كان لابد من وجود جناح سياسي لها ، فجاء الانتقالي كضرورة لهذه الحاجة .
قد يقول قائل بأن الانتقالي تم سلقه على عجل وهذا صحيح ومن خلال التجارب السابقة للحوارات والتكتلات التي رافقت مسيرة مكونات الحراك ما كان له أن يرى النور لو كان تأخر أكثر وهو ما أمكن التوصل إليه وسط أجواء مشحونة بالتوترات تصاحبها حالة من الاحتقان وتخيم عليها أجواء الحرب من ناحية ومن ناحية أخرى تسودها الاستقطابات والصراع بين مشروع الحياة التي تمثله المقاومة الجنوبية كامتداد لخيارات وتوجهات الحراك الجنوبي وتلبية لأمال وتطلعات شعب الجنوب، وبين مشروع القتل الذي تمثله قوى التطرف والإرهاب وسعيها إلى تحويل محافظات ومناطق الجنوب إلى ولايات إسلامية .
ولهذا أمر طبيعي ان يكون المجلس الانتقالي كيان غير متجانس أو نقدر نقول عليه تحالف الضرورة ، عكس الحد الأدنى للحمة الجنوبية التي تجسدت في جبهات ومتارس القتال .
وخلال اربع سنوات ونيف من عمر الانتقالي وهي فترة قصيرة الا أنه حقق ما لم يحققه غيره من الكيانات الجنوبية وأصبح قوة سياسية وعسكرية لا يستطيع أحد تجاوزها .
الانتقالي مثله مثل أي كيان سياسي هو نتاج لفعل سياسي اقتضته الضرورة له ماله وعليه ما عليه وحتى لا نتشعب في الحديث أود أن اتحدث عن تموضع وتوجهات التيارات والقوى في الساحة الجنوبية داخل الانتقالي وخارجه.
ونبدا في المجلس الانتقالي ككيان غير متجانس فإذا ما نظرنا إليه كإطار ضم الكثير من القوى الجنوبية من مختلف التوجهات سنجد ان بداخله أربعة تيارات .
التيار الاول
وهم انتقاليين ذات جذور حراكيه وهو تيار غير منظم يعمل اصحابه بنفس اسلوب إدارتهم لمكونات الحراك ويغلب على أدائهم التخبط والعشوائية اوفياء ومخلصين للقضية الجنوبية وبسبب عدم تنظيم انفسهم تجدهم يعملوا بشكل فرديه داخل الانتقالي ناهيك انهم يفكرون بعقلية المناضل وليس بعقلية السياسي ، فأصحاب هذا التيار يرون بأن نضالهم قد أثمر وان الوقت مناسب لان يجنوا ثمرة نضالهم ولذا يعتبرون أن لهم استحقاق يجب أن ياخذوه ، وهؤلاء نسوا رفاقهم وقدموا أنفسهم كممثلين للمناضلين ويكفي وجودهم ولا داعي للآخرين لأنهم يعتبرون بأن الأفضلية في النضال تؤهلهم للاستحواذ على كل المواقع القيادية.
التيار الثاني
عقلاني منفتح على الجميع كفاءة سياسية واداريه يقدر خطورة المرحلة غير راض عن بعض التوجهات داخل المجلس .
رمى الماضي خلف ظهره وأخذ منه الدروس والعبر ، ينظر إلى الأمور بشكل مختلف عن مزاج الشارع بعيدا عن الشعارات والشطط ، مستفيد من تجربته الطويلة في العمل السياسي .
يرى أصحاب هذا التيار بأن الجنوب يتسع للجميع من منطلق أن الجنوب لكل أبناءه ولكل أبناءه وان التصالح والتسامح الذي مثل ركيزة أساسية لانطلاق الحراك السلمي الجنوبي قد أصيب بمقتل في أحداث يناير 2018 وأغسطس 2019 وتحول إلى شعار يستخدمه البعض عند الحاجة .
ترسخت لديهم قناعة بأن الجنوب بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى تصالح وتسامح حقيقي ، ينتصر الجنوبيون لقيمه ونهجه ويجسدوه في سلوكهم اليومي لايجاد جبهة داخلية موحدة ومشروع وطني جامع وخطاب سياسي يجمع ولا يفرق .
يعاني هذا التيار الذي يمثل الأقلية داخل المجلس من التهميش وفشلت محاولاته إلى أرساء قواعد العمل المؤسسي في المجلس .
التيار الثالث
مترزقين ، والانتقالي بالنسبة لهم بقرة حلوب ويهمهم مصلحتهم فقط ويتعاملون مع الانتقالي كجهاز وظيفي واداري يعود عليهم بالمنفعة لا كمكون نضالي عليه أن يواجه المصاعب والتحديات وينجز الاستحقاقات ويقوم بالمهام العاجلة والملحة لما من شأنه خدمة شعب الجنوب وقضيته .
ناهيك بأن أدائهم داخل الانتقالي وسلوكهم في المجتمع لا يرتقيان إلى حجم تضحيات شعب الجنوب ولا إلى تطلعاته ، لان القضية الجنوبية لا تهمهم سوى تقدمت ام تاخرت فهي سيان بالنسبة لهم .
يعمل أصحاب هذا التيار على استغلال تواجدهم داخل الانتقالي للتكسب وخدمة الاهل والاقارب وترتيب أوضاع الأقرب فالاقرب بغض النظر عن الموقف من القضية الجنوبية وساعدهم في ذلك غياب المعايير .
التيار الرابع
هم جسم غريب داخل المجلس أو نقدر نقول اختراق ، وهؤلاء يعملون كتلة واحدة وتجد أصواتهم مرتفعه ويعيقون أي تقارب جنوبي جنوبي ، يستخدمون الانتقالي كغطاء وهم في الأساس ينخرون الانتقالي من داخله وتمكنوا من استغلال تواجدهم في الانتقالي لتأسيس شبكة من المصالح ، ولذا تجدهم حريصون على بقاء الحال على ما هو عليه لكي يحافظوا على مصالحهم.
ووسط هذه التيارات يظل عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الأنتقالي كشخصية محورية ويمثل شوكة الميزان داخل المجلس لما يتمتع به من مواصفات قيادية ورزانة عقل وسمعة طيبة وتاريخ نضالي مشرف ولكن السؤال الذي يجيب علينا أن نطرحه هو :
إلى متى ستستمر معالجاته التوفيقية التي لا تؤدي إلى حل الأزمات بل ترحلها وتظل قابلة للانفجار في اي لحظة ؟
إن الحدث عن الانتقالي كلاعب وحيد في الملعب السياسي الجنوبي يبدو أمرا غير منطقيا ونحن هنا لسنا بصدد الحديث في هذا الأمر وما نحن بصدد الحديث عنه هو القيادات الجنوبية خارج الانتقالي .
تنقسم القيادات الجنوبية غير المنظوية في المجلس الانتقالي الى ثلاثة أقسام هي :
القسم الاول
قيادات صنعها الحراك ولم تكن من صناع الحراك وبقدرة قادر وصلت إلى مواقع قيادية في بعض المكونات الحراكية ، هذا النوع من القيادات كانت تدعو إلى وحدة الصف كشعار فقط وتعمل في الكواليس عكس ذلك وكانت سبب في فشل أي تقارب جنوبي جنوبي وأثبتت التجربة عدم جدية الحوار معهم .
تعاملت هذه القيادات مع الحوارات والترتيبات والتفاهمات التي سبقت تشكيل المجلس الأنتقالي والتي جرت تحت ضغط الوقت بسلبية ظنا منها بأن أي جهود لتوحيد الصف الجنوبي لا يمكن أن يكتب لها النجاح بدونهم إلا أنهم تفاجأوا بأن الحوارات والمشاورات التي تم استثنائهم منها جرت بهدوء دون اي منغصات وأثمرت تشكيل المجلس الأنتقالي الجنوبي .
وجدت هذه القيادات بأن مكوناتها صارت رأس بلا جسد حيث انخرطت قواعدها في هيئات المجلس الانتقالي في كافة المستويات .
ظلت هذه القيادات النرجسية تترقب من سيطرق بابها ويزورها الى منازلها ليعرض عليها تحمل مواقع قيادية وحينها ستطرح شروطها إلا أن هذا الأمر لم يحدث .
ولكونها لم تجد موطئ قدم في الانتقالي فإنها تستغل اي هفوة للانتقالي لمهاجمته وتحاول تفسير مواقفه المرنة من بعض القضايا بالارتهان وخطواته وتحركاته بالتفريط بالقضية الجنوبية وتظهر نفسها بأنها أكثر وطنية واخلاص من قيادة الانتقالي متناسبة أن الحرب أفرز واقعا جديدا مع أن غضبها هذا كله بسبب عدم حصولها على موقع قيادي داخل المجلس .
القسم الثاني
هم بعض القيادات التي صنعت الحراك وتولدت لديهم قناعة باتاحت الفرصة لوجوه جديدة لتصدر المشهد وهي قيادات عقلانية وتمتلك خبرة وتجربة طويلة في العمل السياسي وهي مخلصة مع القضية الجنوبية وتخدمها بصمت ولا يستهويها الظهور الإعلامي وتقدم القضية الجنوبية للآخرين بطريقة راقية وتدافع عنها وترى بأن التنوع في إطار وحدة الهدف هو مصدر قوة للقضية الجنوبية وليس مصدر ضعف .
تتعامل مع الواقع كما هو وليس كما يريده البعض أن يكون مستوعبة المتغيرات التي أفرزتها الحرب وموازين القوى التي أنتجتها وتموضع كل طرف ، وتدرك اهمية البعد الدولي والإقليمي وصراع الإرادات القائم على المصالح .
هذه القيادات ترى بأن عمل الانتقالي يشوبه بعض الاختلال والقصور وعلقت بجسده بعض الشوائب وأصابته بعض التشوهات ؛ وان هناك بعض الأمور بحاجة إلى مراجعة وتصويب لأنها ترى بأن الانتقالي قوة سياسية وعسكرية موجودة على الأرض وليس من مصلحة الجنوب اضعافه كونه لا يوجد بديل .
وهذه القيادات ناصحة وحريصة على الانتقالي وترى بأن أدائه يمكن أن يكون افضل مما هو عليه وأن عوامل النجاح التي توفرت له لم تتوفر لأي مكون آخر .
القسم الثالث
هم جنوبيي الشرعية فهذه القيادات ترى بأنها الوريث الشرعي لعفاش في حكم الجنوب ولذا فهم من يحق لهم تمثيل الجنوب وبالطريقة التي يريدونها وكان لديهم اعتقاد بأنهم بما يمتلكونه من سلطة ونفوذ ومال وسلاح يجعلهم يفرضون أنفسهم كقيادة ويقدمون أنفسهم كممثلين للجنوب ولا يوجد من يزاحمهم على السلطة وعلى تمثيل الجنوب ، فقيادة الانتقالي بالنسبة لهم مجموعة لفظهم هادي ، ولم يكن يدر بخلدهم بأن الانتقالي سيحضى بدعم الامارات وان هذا الدعم سيمكنه من امتلاك عناصر القوة .
شعرت قيادات هذا الاتجاه بأن الانتقالي تفوق عليها لانه امتلك مالم يمتلكوه وهي الحاظنة الشعبية ، فسعت إلى إعادة الروح لبعض المكونات ودعمتها ماليا وإعلاميا بهدف إضعاف الانتقالي غير مدركة بان هذه المكونات أصبحت اسم بلا جسم وأنها لم تعد تمتلك قاعدة جماهيرية ، فلجأت إلى دعم تشكيل مكونات جديدة وهذه الخطوة هي الأخرى لم تنجح .
كل هذه المعيقات امام هذه القيادات فرضت عليها التحالف مع أعداء القضية الجنوبية وعملت على إعادة تحالف حرب 1994 م
تعامل الانتقالي مع الأقسام الثلاثة بمعيار واحد ووضعهم في خانة الخصوم ولم يفرق بين صديق غاضب يبحث عن موقع في الانتقالي ولا بين صديق ناصح وحريص ولا بين خصم يسعى الا إزاحته من المشهد .