كريتر نت – متابعات
شهد اليوم الثاني من زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى السعودية توقيع اتفاقيات بمليارات الدولارات، ما يظهر أن بكين نجحت في أن تستفيد من حالة البرود بين الرياض وواشنطن وأن تضع يدها على مكاسب الولايات المتحدة ونفوذ شركاتها في السعودية حين كانت أميركا هي الشريك الأول الذي يحصل على أهم الصفقات والاستثمارات.
وتراقب الولايات المتحدة بقلق تنامي النفوذ الصيني في الخليج والشرق الأوسط ككل. يأتي هذا في وقت استقطبت فيه القمة العربية – الصينية عددا مهما من الزعماء العرب وإن غاب عنها رئيس القمة العربية الحالي الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون.
وصافح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الرئيس الصيني عندما خرج من سيارته لدى وصوله إلى قصر اليمامة في الرياض، المقر الرسمي للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز ومقر الديوان الملكي، بحسب لقطات بثتها وسائل الإعلام الحكومية.
وفي وقت لاحق اجتمع الرئيس الصيني مع العاهل السعودي، ووقّعا بحضور ولي العهد على “اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين المملكة والصين”، حسب ما أفادت به وكالة الأنباء السعودية. كما اتفقا على عقد اجتماع لقادة الدولتين كل عامين.
وقال شي، حسب ما نقل عنه الإعلام الرسمي الصيني، “التعاون الصيني – السعودي له آفاق مستقبلية واسعة، وينظر الطرف الصيني إلى الطرف السعودي على أنه قوة مهمة في عالم متعدد الأقطاب، ويولي مسألةََ تطوير شراكة إستراتيجية شاملة مع المملكة العربية السعودية أهميةً بالغةً”.
وبحسب وسائل إعلام سعودية حكومية ستشهد الزيارة توقيع اتفاقيات بنحو 29.3 مليار دولار في عدة مجالات، في وقت تسعى فيه الصين إلى تعزيز اقتصادها المتضرر من فايروس كورونا، بينما يسعى السعوديون، حلفاء الولايات المتحدة التاريخيون، إلى تنويع تحالفاتهم الاقتصادية والسياسية.
وبعد ساعات من وصول الرئيس الصيني الأربعاء أعلنت وسائل الإعلام الحكومية السعودية عن 34 اتفاقية استثمار في قطاعات تشمل الهيدروجين الأخضر وتكنولوجيا المعلومات والنقل والبناء.
ولم تقدّم وكالة الأنباء السعودية الرسمية تفاصيل، لكنها قالت إن إجمالي التجارة بين البلدين بلغ 304 مليارات ريال سعودي (80 مليار دولار) في عام 2021 و103 مليارات ريال سعودي (27 مليار دولار) في الربع الثالث من عام 2022.
ويرى ولي العهد السعودي أن الصين شريك مهم في “رؤية 2030” الاقتصادية الإصلاحية، حيث يسعى إلى إشراك الشركات الصينية في مشاريع عملاقة طموحة تهدف إلى تنويع الاقتصاد بعيدًا عن الوقود الأحفوري.
وتشمل هذه المشاريع مدينة نيوم المستقبلية التي تبلغ قيمة الاستثمارات فيها 500 مليار دولار وستعتمد بشكل كبير على تقنية التعرف على الوجه والمراقبة.
◘ واشنطن تقول إن الزيارة مثال على محاولات الصين توسيع نفوذها لكن ذلك لن يغيّر سياسة أميركا في الشرق الأوسط
وقال وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح إن زيارة شي ستسهم في رفع وتيرة التعاون الاقتصادي والاستثماري بين البلدين، حيث تقدم الزيارة للشركات والمستثمرين الصينيين “عوائد”، بحسب وكالة الأنباء السعودية.
وتم الاتفاق على مذكرة تفاهم مع شركة هواوي الصينية للتكنولوجيا في الحوسبة السحابية وبناء مجمعات عالية التقنية في مدن سعودية، على الرغم من تخوّف الولايات المتحدة وحلفاء في دول الخليج من احتمال أن يسبب استخدامُ تكنولوجيا الشركة الصينية مخاطرَ أمنيّة. وقد شاركت في تأسيس شبكات الجيل الخامس في معظم دول الخليج على الرغم من مخاوف الولايات المتحدة.
ولم يغب ذلك عن أعين البيت الأبيض الذي حذر من “النفوذ الذي تحاول الصين تنميته في العالم”.
وقال الناطق باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي للصحافيين الأربعاء “نحن مدركون للنفوذ الذي تحاول الصين توسيعه في مختلف مناطق العالم”.
وأشار إلى أن “الشرق الأوسط هو بالتأكيد من بين هذه المناطق، حيث يرغب الصينيون في تعميق مستوى نفوذهم”، مضيفا “نعتقد أن الكثير من الأمور التي يسعون إليها وطريقة سعيهم إليها لا تتلاءمان مع الحفاظ على النظام الدولي الذي تحكمه قواعد محددة”.
وتابع كيربي “لا نطلب من الدول الاختيار بين الولايات المتحدة والصين. لكن كما قال الرئيس في العديد من المرّات، نعتقد أن الولايات المتحدة بالتأكيد في وضع يتيح لها القيادة في إطار هذه المنافسة الإستراتيجية”.
ولطالما كانت واشنطن شريكًا وثيقًا للرياض، لكن العلاقة توترت مؤخرا بسبب الخلافات حول سياسة الطاقة والضمانات الأمنية الأميركية لدول المنطقة.
وقالت تانغ تيانبو المختصة بشؤون الشرق الأوسط في المعاهد الصينية للعلاقات الدولية المعاصرة، وهي مؤسسة بحثية صينية تابعة للحكومة، “سيتمخض عن الزيارة توسيع نطاق التعاون في مجال الطاقة”.
وكتبت في مقال عن العلاقات السعودية – الصينية إن مبادرة “الحزام والطريق”، وهو أبرز مشروع للاستثمار في البنية التحتية في عهد شي، تتواكب وتتسق تماما مع الخطط السعودية الرامية إلى تنويع اقتصاد المملكة بموجب “رؤية 2030”.
وأشارت إلى أنه بالرغم من أن السعودية حليف مهم للولايات المتحدة فقد “حافظت في السنوات القليلة الماضية على استقلالها الإستراتيجي وقاومت ضغوط الولايات المتحدة”.
ويشارك الرئيس الصيني الجمعة في قمتين خليجية – صينية وعربية – صينية يحضرهما قادة دول المنطقة الذين بدأوا يتوافدون إلى العاصمة السعودية، ومن بينهم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والرئيس التونسي قيس سعيد.
كما أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ورئيس الوزراء المغربي عزيز أخنوش ورئيس حكومة تصريف الأعمال اللبناني نجيب ميقاتي حضورهم.
ووفقا لوزارة الخارجية الصينية يمثّل برنامج شي “أكبر نشاط دبلوماسي على نطاق واسع بين الصين والعالم العربي منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية”.