أحمد بان
كاتب مصري
على عادة الإخوان المسلمين في المبالغة بقدراتهم التنظيمية والسياسية، تصوّر حسن البنا في مرحلة ما أنّ بإمكانه أن يلعب مع الكبار، فترة الحرب العالمية الثانية، التي كان يعوّل عليها كثيراً في أن تحفر للجماعة مكاناً متقدماً في الساحة المصرية والدولية، وكان من رهاناته التي حاول الإخوان ضرب ستار كثيف من السرية حولها، هي طبيعة العلاقة التي ربطته بالزعيم النازي هتلر.
ملامح العلاقة
لا تكشف الكتابات الإخوانية الكثير عن تلك العلاقة، لكنّ كتاباً لا يعدّه الإخوان مرجعاً رسمياً لتاريخهم، تعرّض لها في فقرة منه، هو كتاب عضو الهيئة التأسيسية لجماعة الإخوان المسلمين محمود عبدالحليم “الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ”، قد يكشف ملامح تلك العلاقة، أو التحالف السري، يقول: “كان أحرار المصريين يمقتون الإنجليز، ويتربّصون بهم الدوائر، ويتمنّون لو أصابتهم كارثة، تأتي عليهم، فلا تبقي منهم ولا تذر، فلمّا قامت ألمانيا بهجومها المكتسح على أوروبا، هبّ هؤلاء الأحرار ينتهزون هذه الفرصة لتخليص البلاد من الإنجليز”.
من هم هؤلاء الأحرار الذين لم يسمّهم عبدالحليم؟ يكشف الكتاب أنّ هذا التحالف كان متنوعاً، دون أن يحدّد شخوصه، أو الجهات المشتركة فيه “كوّن الأحرار على اختلاف نزعاتهم جبهة لإنقاذ البلاد، وكان تكوين هذه الجبهة يجري تحت ستار السرية التامة، وأنا شخصياً، رغم أنّني كنت أقوم ببعض ما يوكل إليّ من أعمال لهذه الجبهة، لا أعرف من الجهات المشتركة فيها، ولا الأشخاص المشتركين فيها، إلّا الأستاذ المرشد، وعلي ماهر، والسيد أمين الحسيني، مفتي فلسطين، مؤكّداً أنّ الجبهة ظلت تعمل حتى شاءت إرادة الله أن ينقلب الموقف رأساً على عقب، عندما أقنع تشرشل أمريكا بالتدخل في الحرب، وهو الأمر الذى كان حاسماً في تغيير موازين الحرب لصالح الحلفاء”.
انسجام في التصور
بدا أنّ هناك انسجاماً في التصور بين عقيدة هتلر السياسية، وعقيدة حسن البنا الدينية، حول الإيمان بالقوة والتنظيم، فضلاً عن الأهم، وهو وقوع البنا وجماعته فريسة للدعاية النازية الجبارة، التي أوحت للبنا أنّه من الممكن دعوة هتلر للإسلام، ما دام معجباً به إلى هذا الحد، بالتالي؛ تظهير تلك القوة الألمانية الهائلة لحساب الإخوان ومشروعهم.
التقى هذا الوهم لدى حسن البنا بمساعي ألمانيا في تلك الحقبة، في البحث عن زعامات عربية وإسلامية، تستطيع تعبئة أبناء المستعمرات الإنجليزية والفرنسية لخدمة مشروع ألمانيا الإمبراطوري الجديد، لقوة لم يكن لها ماضٍ استعماري، أو خبرة تمكنها من السيطرة على تلك المجتمعات، وتسخيرها لخدمة مشروعها.
تكفّلت الماكينة الإعلامية النازية بتعبيد الطريق أمام هتلر، حتى صنعت شعبية تحدث عنها أحد أركان إدارته، وهو بيير شرومبف – بيرون، الذي كتب يقول عن ذلك، فيما كشفت عنه الوثائق السرية للنازية: “كانوا في العالم الإسلامي ينسبون لهتلر قوة خارقة، وهم على قناعة بأنّ لديه جنياً يقول له كيف ومتى يجب أن يتصرف، كما أنهم يعتبرون هتلر المسيح المنتظر المرسَل لمحاربة اليهود”.
في خدمة المشروع النازي
كان الفشل العربي في مواجهة اليهود، والاتكاء على الأساطير وأحاديث الملاحم، وفتن آخر الزمان، ثغرة رسمت خرائطها بوضوح كتابات استشراقية ألمانية، دعمتها دراسات استخباراتية، كانت تسعى إلى توظيف المجتمعات العربية والإسلامية لخدمة المشروع الألماني، نكاية في الإنجليز والفرنسيين، الذين كانوا قد استعمروا جلّ العالمين؛ العربي والإسلامي، وكان تقدير تلك الأجهزة أنّه يمكن الاستفادة من النبوءات الدينية لدعم مشروع النازية عبر هذا الربط.
انتهت تلك الدراسات إلى أنّ فكرة ربط هتلر بالمهدي المنتظر غير ممكنة، لأنّ المهدي يجب أن ينحدر من نسب نبوي شريف، وهتلر ليس مسلماً، كما أنّه لا يحظى بهذا النسب الشريف، ولهذا برز مقترح بديل هو ربط صورة هتلر بالمسيح عيسى؛ لأنّ المسلمين يؤمنون بالقدوم الثاني للمسيح، في الفترة نفسها لظهور المهدي الذي سيقتل المسيح الدجال برمحه.
كان إيمان هتلر، وأركان إدارته، بالقوة التعبوية الجبارة للإسلام شديداً، وكان إعجابهم بتلك القوة أهم دافع للسعي إلى تجنيد تلك الأمم لخدمة مشروعهم.
لم يخفِ حسن البنا إعجابه بهتلر وموسوليني، وربما انعكس ذلك في حرصه على استلهام منهجهما في بناء جماعته وتشكيلاته، بدا حرصه على تدشين قسم الجوالة والنظام الخاص تأكيداً على هذا التأثر.
وهو أمر قد يبدو مفهوماً بالنظر لما حققته الدعاية الألمانية في تلك الفترة، لكنّ المدهش أنّ الأوهام حاصرت البنا وجماعته، إلى حدّ الاقتناع بأنّه بالإمكان استغلال تلك العاطفة الدينية المزعومة لدى هتلر، التي ربما تدفعه للإسلام، وتظهير تلك الحماسة، مع ما تملكه من قوة، لتكون في خدمة الإخوان، وهو تكرار لأمر وقع فيه الإخوان مراراً، ووقعت فيه جماعات إسلامية حركية، تصورت -استسلاماً لأوهامها- أنّها أذكى من خصومها، حين تختار إستراتيجية توظيف طاقات العدو لمصالحها، دون أن تعي في النهاية أنّها كانت مجرد أداة لمن يعرف فنون التخطيط الإستراتيجي، وبناء الخطط، ويتعرف إلى عدوّه جيداً قبل أن يبدأ النزال، وهو ما تكشفه مذكرات هتلر (كفاحي)، التي يبين فيها تصوره عنهم قائلاً: “إنّ تحالف العاجزين لا يمكن أن يواجه دولات عظمى ذات إرادة، مستعدة -إن لزم الأمر-لأن تريق آخر نقطة دماء تملكها من أجل الحفاظ على وجودها، وأنا كمنادٍ بالقومية، يقدّر قيمة الأعراق في إقامة الحضارات الإنسانية، كان لا بدّ من أن ألاحظ دناءة أجناس ما تسمى “الأمم المضطهدة”، وهذا كافٍ كي أمتنع عن ربط مصير شعبي بمصير تلك الأعراق الدنيئة”.
نقلاً عن حفريات