“قوة ناعمة” في مواجهة أميركا وتهديد لإسرائيل والدول العربية بصواريخ الوكلاء!
كتب : طوني فرنسيس
على الأرجح لن تندلع الحرب الكبرى بين إيران والولايات المتحدة، وستمرّ الذكرى السنوية الأولى لمقتل المسؤول الإيراني قاسم سليماني بهدوء، بين الخطابات المتوترة والمواقف المشتعلة، تماماً كما تعبر الغواصات الأميركية والإسرائيلية مضيق هرمز الملتهب بالحشود العسكرية والتهديدات النارية.
وبررت الولايات المتحدة اغتيالها سليماني، بتحميله المسؤولية عن سلسلة هجمات تعرّض لها الأميركيون في العراق، وفي حينه، ردّت إيران بقصف قاعدة أميركية قرب بغداد، وأسقطت “بطريق الخطأ” طائرة ركاب أوكرانية كانت مُقلعة من طهران، ولم تعتبر القصف المذكور كافياً، فبلورت شعاراً سيتبنّاه أنصارها وتنظيماتها في أنحاء المنطقة: إخراج الأميركيين كلياً من غرب آسيا (أي الخليج والمشرق العربي). وبعد عام تقريباً، خاطب المرشد الإيراني لجنة إحياء ذكرى قائد “فيلق القدس” شارحاً استراتيجيته للردّ في 16 ديسمبر (كانون الأول) 2020، وهي تتدرّج من “الجنازة المليونية” إلى الضربة الصاروخية على قاعدة عين الأسد، في “صفعات قاسية” بانتظار الصفعة الكبرى المتمثلة في “التغلب على العظمة الجوفاء للإمبريالية” بواسطة “القوة الناعمة” المتمثلة في شباب إيران، وصولاً إلى طرد الأميركيين من المنطقة، بالاعتماد على “المقاومة في الشرق الأوسط”، أي التنظيمات التي تمولها وتسلحها طهران.
ولاحظ متابعو الخطاب التوجيهي أن خامنئي توعّد الذين قرروا ونفذوا تصفية سليماني، وفي مقدمتهم الرئيس دونالد ترمب، بالانتقام منهم “في الوقت المناسب”، إلا أنهم لم يلمسوا تصعيداً يرقى إلى قيام إيران بشنّ حرب لإخراج الأميركيين، ما اعتبروه انتظاراً لما سيكون عليه الموقف بعد تولّي الرئيس المنتخب جو بايدن مهماته في الـ20 من الشهر الجاري.
وفي الواقع، ما يحصل هو التالي: العالم ينتظر الانتقام الإيراني لمقتل سليماني، إيران تؤكد أنها ستضرب، فتعلن واشنطن أنها تتخذ التدابير كافة لردع الإيرانيين، بما في ذلك حشد السفن والطائرات الحربية في الخليج العربي وحول إيران، ترتدع طهران عن المواجهة المباشرة، إلا أنها تطلق حملة تصريحات لا تمس الأميركيين بشيء، في تأكيد جديد على رغبتها التوسعية في المنطقة العربية، وربما تكون هذه المشاريع التوسعية جوهر الموضوع وصلبه، فالنظام الإيراني يعرف أن بايدن يميل إلى إنعاش الاتفاق النووي، وهو سينخرط مجدداً إلى جانب المجموعة الراعية للاتفاق، خصوصاً في أوروبا، في البحث عن طرق لإحيائه.
وهذا سيستغرق بضعة أشهر، ستجري إيران خلالها انتخاباتها الرئاسية في مايو (أيار) المقبل، وسيطرح مصير الرئيس السوري بشار الأسد مجدداً في الشهر التالي: هل يتم التمديد له وضمن أية شروط؟، وفي السياق، سيتحدد مصير المفاوضات اللبنانية الإسرائيلية حول ترسيم الحدود البحرية بين البلدين. وفي المقابل، لم تُبدِ الإدارة الأميركية بقيادة ترمب رغبة في شنّ حرب ضد نظام الملالي، وهي، على الرغم من تصعيدها الحصار المالي والاقتصادي، وضعت استعداداتها الحربية في إطار العزم على الرد الإيراني “الموعود”، وليس في سياق خطة للإطاحة بالنظام “المقاوم” في بلاد فارس .
ستطلب إيران التي تفضل انتظار تولّي بايدن مهماته، رفع العقوبات الاقتصادية الخانقة عنها في المرتبة الأولى، وربما تطلب تعويضات بسبب خروج أميركا الأحادي من الاتفاق، قبل أن يتحدد شكل العلاقة اللاحق ضمن مجموعة 5+1.
وفي الأثناء، ستكون مستعدة لإبراز عضلاتها في الدول العربية حيث بنت مواقع خاصة بها، تهدد عبرها بفتح حروب مع إسرائيل، وبشنّ غارات كما فعلت سابقاً على المواقع النفطية في المملكة العربية السعودية، انطلاقاً من العراق أو من اليمن.
ستكون أشهراً من التهديد للعالم العربي، باسم التصدي لأميركا وإسرائيل، وها هو علي حاجي زادة، قائد القوات الجوية في الحرس الثوري الإيراني يعلن عشية ذكرى مقتل سليماني، أن صواريخ إيران في غزة ولبنان هي “خط المواجهة الأمامي”، وأن أوامر خامنئي تقضي “بتسوية حيفا وتل أبيب بالأرض في حال ارتكبت أي حماقة ضد إيران”.
ويشرح المسؤول الإيراني أن “هناك تقاطعاً للنيران في سماء إسرائيل بين سوريا ولبنان وفلسطين”، وينسى تماماً ذكر نيران إيران صاحبة “المعركة” في كل هذه المعمعة، ليكرر من دون أي تبرير أن “الدول العربية ستكون المتضرر الأكبر في حرب مع إيران”.
اللواء حسين سلامي، قائد الحرس الثوري اختار جزيرة أبو موسى الإماراتية المحتلة ليوجّه تحديات مماثلة وليعلن أن “الجزر الإيرانية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى هي الجبهة الدفاعية للبلاد”.
هكذا تتصرف طهران رداً على التحديات التي تواجهها: تخوض حروباً بغيرها وعلى أرض غيرها في سوريا ولبنان وغزة واليمن، ومن جزر الإمارات الثلاث المحتلة، أما قمة الدجل الدبلوماسي، فتجلّت في ذلك التحذير الذي وجّهه وزير خارجيتها محمد جواد ظريف إلى المسؤولين في واشنطن من أن إسرائيل ستهاجم الأميركيين في العراق لجرّهم إلى صدام مع إيران! وكأن ظريف يتهم سلفاً تنظيماته في بغداد بالعمل لمصلحة إسرائيل عندما يوجهون صواريخهم نحو المواقع الأميركية!
لقد حوّلت إيران أجزاء من العالم العربي إلى مجرد أوراق لعب وتفاوض، والمرحلة المقبلة ستشهد مزيداً من وضع اليد على هذه الأوراق لتكون أكثر قيمة عندما يحين موعد المقايضات، أما الحرب الكبرى، فلن تحصل على الأرجح.
نقلا” عن أندبندنت عربية