“تعاني الولايات المتحدة سكرات الموت منذ ستينيات القرن الماضي”
كتب : أحمد الفيتوري
قبل كل شيء أميركا دولة خارجية المنشأ، هي بلد المهاجرين منذ البدء وحتى الآن، وعند انتخاب رئيس جديد، فإن الرئيس السابق أصيل مهجر، يسلم إلى رئيس مماثل له. ومن هنا، فإن مسألة الخارج في أميركا، مسألة داخلية أكثر من أي بلد آخر. وإذا كان دورها كدولة عظمى، كبيراً في شؤون العالم، فإن شؤون هذا العالم فاعلة بدورها في أميركا على كل الصعد، حتى في ما قد يبدو أمراً أميركياً محضاً، مثل تفاقم الانقسام في العصر السيبراني. فالقوة العظمى لهذه الدولة تجعلها أكثر حساسية لأي جائحة قومية في دولة بعيدة كالصين مثلاً، ولأن جزءاً أساساً من عظمتها هو أنها أكثر انفتاحاً من أي دولة، فهي رئة العالم ومركزه، حتى بمعنى أنها قلب “الأمم المتحدة”، كما أنها ظلت “كعبة المهاجرين” لأكثر من قرنين.
حين تحدث تشي غيفارا عن الدبوس الذي تغرسه الثورة العالمية في جسد الفيل الأميركي، كان مارثن لوثر يغرس ذلك الدبوس. وكان الفيل آنذاك غارقاً في حروبه الخارجية في فيتنام. هكذا كانت المسألة الأميركية دائماً كالعُملة ذات الوجهين، يتداخلان داخلها وخارجها، ويتماهيان كبنية ضرورية للقوى العظمى في كل عصر، فلا بد أن تكون رجل واحدة في البيت الأبيض والأخرى في الحديقة الخارجية، ولذلك فإن وصمة شرطي العالم ليست خياراً.
بالتالي، هل يمكن أن نعتبر “غزوة نيويورك” في سبتمبر (أيلول) 2001، مسألة خارجية أم داخلية؟ وهل نعتبر الحرب على الإرهاب الدولي التي أعلنها الرئيس جورج بوش الابن داخلية أم خارجية؟ وهل شبح الانهيار المالي في عام 2008 مسألة داخلية أم خارجية؟ وهل مسألة الحرب التجارية داخلية أم خارجية؟ وهل مشكلة ثقب الأوزون والارتباك الأميركي في التعامل مع هذه المسألة داخلية أم خارجية؟ إذاً، هل “انتخابات كورونا 2020” وما أنتجت مسألة داخلية أم خارجية؟
ومن هذا ومثيله كثير: هل غزوة الكابيتول محض تعبير عن الأزمة البنيوية الأميركية الداخلية؟ وفي جانب آخر هل تغريدة ترمب ومنعها، أو ما زُعم من تدخل روسي في الانتخابات الأميركية، يعني أن العصر السيبراني مسألة خارجية؟!
هذه الأسئلة تفكّ شيفرة “انتخابات كورونا”، وما انبثق منها كغزوة الكابيتول، التي بدورها تطرح أسئلة مثل: هل الربيع العربي الذي بات اليوم في العاشرة من عمره، وفاقم الحرب الدولية على الإرهاب، مجرد حدث داخلي؟ وهل حرب الإرهاب الدولية مسألة متعلقة بالصراع الدولي حول قيادة العالم، وليست بأي حال ذات علاقة بما يسمى الهجرة غير الشرعية، ولا علاقة كلية ببناء أسوار القرون الوسطى مثل سور ترمب المكسيكي؟ وأن صعود الشعوبية في أوروبا، وقوى اليمين المتطرّف، مجرد مسألة داخلية لا علاقة لها البتّة بالظاهرة الترمبية، وأما قنبلة كيم الكوري النووية ومغازلة ترمب له، مثلما قنبلة الملالي الإيرانية، مسألة خارجية، دعت ترمب إلى شعاره الأسمى: أميركا أولاً وأخيراً.
قد يكون كل ذلك، كمسائل تحدث في العالم القديم، لكن في العصر السيبراني، كلها تحدث في موبايل بكف اليد، وفي زمن يمكن فيه لطاعون العصر، أن ينتقل إلى فم ترمب أثناء الشهيق، وبفضل مسرب وادي السيليكون
جاء ترمب ومنه جاءت غزوة الكابيتول. فكان عصياً على الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الخروج من البيت الأبيض، حتى لو بعصا موسى، أولاً، لأن العالم لم يعد العالم، وثانياً، لأن “أميركا الكهف”، تعاني سكرات الموت منذ ستينيات القرن الماضي، ويظهر لها ملاك الموت كتاجر صيني، وثالثاً، كما يقول ابن خلدون إن للدول كياناً عضوياً يشيخ، وساعة الأزمة يدب فيه الشقاق. ويعني ذلك أيضاً أن الرياح الخارجية العاتية، مساهم رئيس في نهوض الجن من القمقم.
خطاب الوداع جاء يسعى على لسان ترمب “سأعود بشكل ما”، ولسان حاله أن “ما جاء بي هو الداء القديم الجديد، الانقسام، ومنه وبه وفيه نجاحي”. أما رد الرئيس بايدن فجاء في خطاب التنصيب “بالوحدة سننجح، وبالوحدة نكون أو لا نكون”. وشدّدت خطبة بايدن على أن في البدء كانت الوحدة، ولأجل ذلك كان قسم التنصيب على أنجيل العائلة.
على أي حال، إنها انتخابات غالية التكاليف: 400 ألف روح أميركية، وغزوة الكابيتول من قبل قوى الإرهاب المحلي، كما نعتها الرئيس الفائز.
نقلا” عن أندبندنت عربية